الخميس، 19 ديسمبر 2013

أبو علي يحاورهُ .. أبو علي ! (7)



ا.ع : كُنت معولّ تماماً على أسئلة المرّة الماضية تماماً ، جُعبتي فِرغت ، و مفيش قصادي غيرك ، أجترّك ؟ أجترّ نفسي ؟ أعمل إيه ؟

ا.ع : اعتِرف .

ا.ع : بالفشَل و المُفارقة .

ا.ع : الفشل مفهوم . لكن أيّ مفارقة ؟

ا.ع : مفارقة فراغك إنت ، مش فراغي أنا . يعني .. إنت السائل ، إنت البايع و أنا المُشتري و غريبة إن بايع يفقد كُل بضاعته مرّة واحدة ، مُفارقة . هيّ دي المُفارقة .

ا.ع : مش عارف ، مش شايف كدا ، مش مهم .

ا.ع :  فعلاً مش مهم .
ا.ع : و العمَل ؟

ا.ع : ما اعرفش . نختِم ؟

ا.ع : نِختِم ؟

ا.ع : مش عارف . أنا قُلت قبل كدا إنّي باكره النهايات ، إلّا لو كُنت مُضطر لها ، لكن دلوقتي مفيش عندي أزمة في الختام ، في النهاية ، متهيألي اتغيّرت .

ا.ع : أنا شايف إن الختام هنا اضطراري ، و بالتالي إنت مُضطّر ، مفيش وسيلة توحي إنّك اتغيّرت في كدا .

ا.ع : أعتقد آه . و أعتقد إنّي تعبت .

ا.ع : أُنهَكت تماماً من التجربة دي ، دا أسبوع آلام ، دا أسبوع خَلق العالَم الجديد . مش شايف هنا مُفارقة كمان ؟ أنا شايف مُفارقة في خَلق العالَم في ست أيام و استراح الله في السابع و إنّ المسيح انتهى في أسبوع . دليل على شيء ؟ مش مُمكن . دلالة ؟ آه .

ا.ع : رجعت إنت لعالم الشفرة دا تاني و الكلام عن الرموز و الروابط و اصطناع الحكمة دا تا ني ؟

ا.ع : يا سيدي . أنا ما بقولّكش فيه حكمة من دا ، بس مش خافي إن فيه رابط ما و لو شكلي و مش واقعي إطلاقاً ، بادي جداً الرابط دا ، ثمّ إني ما طلعتش لا بحكمة و لا بنتيجة ، أنا باسرد لك مُجرّد مُلاحظة ، مش أكتر من مُلاحظة لا تعني أي شيء بالضرورة .

ا.ع : ممتاز . عارف إنت إيه  الشيء الأكثر إضحاكاً في الأمر كله بالنسبة لي ؟

ا.ع : إيه ؟

ا.ع : الصيغة .

ا.ع : أنهو صيغة ؟

ا.ع : صيغة الحدث ، المحاورة يعني ، اصطناع صحفيّة الأمر .

ا.ع : ليه كدا يا أخي !

ا.ع : ليه إيه ؟

ا.ع : ليه قُلت دا ! دا أنا كُنت سايبها مُفاجأة !

ا.ع : لمين ؟

ا.ع : لناقد فارغ أو قارئ مُتتبع . أكيد كانوا هيوصولوا لعبقرية صياغة الحديث و السخرية من اللغة الصحفية . ليه تاكُل كُل كروت عظَمتي المُستقبلية ؟ ليه تفقدني خلودي المُزيّف ؟ لُعِنت يا أخي .

ا.ع : شُكراً و آسف .

ا.ع : أسفك مقبول و لكنك ملعون .

ا.ع : شُكراً ثانياً . سؤال طرأ على بالي .

ا.ع : قُله !

ا.ع : ألا تشعر أنّ السابعة بلا قيمة ؟

ا.ع : بلى أشعر ، هي بلا معنى مُفردة ، و لكنّي زي ما أخشى النهايات ، أخشى الأقواس المفتوحة ، الأقواس المفتوحة إنذار دائم لا ينتهي بالموت ، تقدر تقول إنّ السابعة مُهداة لأرقي النفسي و وسواسي الشخصي الصغير ، إن كُنت تسمح يعني !

ا.ع : مفهوم . مفهوم جداً .

ا.ع : شُكراً جداً .

ا.ع : سعِدت بلقائك .

ا.ع : أنا لم أسعد . امشِ .

( تمت )

المواجع الكلاسيكيّة .



يتوجعُّ الحيّ بالميّت و لا يتوجّعُ الميّت و هذا كلاسيكي . يتوجّعُ الحيّ و هذا كلاسيكي و لا يتوجّعُ الميّت و هذا علمي و كلاسيكي . يتوجّعُ الحيّ ، لا يتوجّعُ الميّت و هذا علمي و كلاسيكي و مُريح . لكن أنا أشعُر ، تنتابني النوبات ، و هذا كلاسيكي . أنا أشعُر أنّي ميّت و هذا كلاسيكي جداً للأسف . أنا أشعُر أنّي ميّت و هذا كلاسيكي و أعرف أنه كلاسيكي و كَوني عالِم أنه كلاسيكي يُشعرني بالخِزي و الموت و هذا نصف كلاسيكي . أنا أتوجّع لأنّي كلاسيكي و قديم كنُزل في سينما العشرينات أو كحاجبيّ إديث بياف الحادّين .أنا أتوجّع لأنّي حيّ أتوجع بالميّت و ميّت يتوجّع بالحياة و لأني كلاسيكي يحاول التخلّص من كلاسيكيّته . أنا كلاسيكي و يضيرُني كوني كلاسيكي وكَون آلامي كلاسيكيّة مُلوّنة و كذلك عجزي الكلاسيكي عن التخلّص من كلاسيكيّتي . أنا أبرد و أجوع و أموت و أخاف و هذا كلاسيكي و مُختصَر . و أحتضِر دائماً و هذا دائم الكلاسيكيّة و كلاسيكي على الدوام . حتّى مشاعري المقسومة المضطربة كلاسيكيّتي . الحياة و موتها و الوت و حياته كلاسيكيّان . اللعنة اللازم لصقها هُنا كرد فعل على الاستنتاج كلاسيكيّة أيضاً . الحياة ميّتة ميتة كلاسيكية و مع الأسف الموت ليس حيّاً . لا يصنعُ فرقاً في الدراما أو الكوميديا كَون البطل كلاسيكي ، ما يصنعُ الفرق ما يحدثُ ، و لكن لا يحدث شيء . كُنت أعتقد أن الكيبورد مُختلف للغاية عن الآلة الكاتبة . ما زالت أحلام القتلة تزورني . بحثتُ عن السبب و تنوّع السبب . مرّة يقولون اتصال و مرّة يقولون انفصال . أنا دائم بقدر يفوق طاقة الكلاسيك و منفصل بقدر يفوق العلم و الأَيمان الغِلاظ . مُشرّخٌ . مقطوعٌ . أنا أكثرُ من العالَم و أقلّ مما أنا عليه . لقد خذلتُ نفوسي الكثيرة و لا عذر للحبكة . و كذلك لا مَجال للغموض لأنه كلاسيكي جداً .
في كُل شَعلة كبريت أخاف و أنتشي . في كُل سيجارة أكرهُ النفسَ الأخير لذلك أطفي قبل أن أنطَفي ، لا .. أطفي الأولى بإشعال التالية و هلمّ جرّا . كُنت أتمنى في طفولتي البعيدة . توقّفتُ عن التمنّي و الحُلم و الاحتلام في كهولتي الآن . توقفتُ الآن حتى توقفّت أحشائي عن الإيقاع . لديّ قناعة دائمة أن كُل العظمة الأدبيّة في العالَم جوفاء و هذا عزاء ممتاز عن بواخة ما كتبته أو أكتبه . الموسيقا . لا أرى أي جدوى من محاولة اصطناع باخ الذي يدقُّ في أذنيّ الآن . لا أرغن و لا قبوَ و لا مدفأة لإكمال قوطيّة العمَل . لذا غالباً لن أقطعَ شراييني لإنّي جبان و الوعي حظّ الجُبناء . و الجُبناء لا يُعرَفون و الشُجعان كذّابون محترفون . سأنتحُر بأنّ أُكمِل العيشة ، و هذا ، لحظّي الجيّد ، ليس كلاسيكيّاً إطلاقاً .

الجمعة، 29 نوفمبر 2013

أبو علي يحاورهُ .. أبو علي ! (6)



أ.ع : أهلاً مُجدداً .
أ.ع : و لكَ بِمثل .
أ.ع : أنا في دماغي أربع كلمات ، و مش متوقّع إنّنا نقدر نخلّص كلام فيهم النهاردا .
أ.ع : إيه هُم ؟
أ.ع : البرد و المشرحة و التدخين و الحُب .
أ.ع : أحه .
أ.ع : بالزبط .
أ.ع : و العمَل ؟
أ.ع : باحاول ألاقي وسيلة ، خلينا نبدأ بدخلة الشِتا . 

أ.ع : المشكلة في الأربعة مش الترتيب ، المشكلة إن الأربعة واحد ، و كلامي في أي واحدة فيهم هينفّد في كلام عن التانية ، و من كُتر إخلاصي للأربعة و أملي في الخلاص منهم محتاج أبدأ كلام عن كُل واحدة فيهم مّرة . و تنعاد العناصر التانية وراه ، دا التكرار الوحيد ، نفس السياقات بس بترتيب مُختلف ، الموضوع مُغري بالنسبة لي ، و أشبه بتمرين ثقيل على الكتابة . سيمفونية للفصول الأربعة . في نفس الوقت الكلمات الأربعة أسئلة . الكلمات الأربعة زي اختبارات المُحلل النفسي و عشوائيته المنظّمة المقصودة . الكلمات الأربعة أكبر من نسخهم في سؤال أو أسئلة ، دول العناصر الأربعة المكونين لكَوني . المُكوّنينّي . تقدر تقول كدا . لو كان فيه خامس للأربع كلمات ينازع بقوة هوّ الصداع . أجمل شيء في إن الكلام عن الأربعة دول ، مش هيضطّرني لعرض أي نوع من أنواع وجهات النظر المباشرة . تفاصيل ذاتيّة ، محض استمناء آخر . لأ ! تِعرف ! مش هانتكلم عن الأربع أو الخمس كلمات . إنت تعرَف إن فيه أكتر من سبب ، أغلبهم مش مُعلَن . بس الواضح إنّ إجابتي على الكلمات هتكون مفاتيح ضَرب تحت الحِزام ، و أنا ماا احبّش انضِرب تحت ، أو فوق الحزام .

أ.ع : يعني مفيش إجابة ؟

أ.ع : مفيش إجابة على السؤال اللي إنت عاوزني أجاوبك عليه .

أ.ع : ليه ؟

أ.ع : عشان دي مش سيرة ذاتيّة ، و لا موضوعيّة ، و لا سيرة . و عشان إجابتي هتكون انتهاك لنفسي . و عشان إنت مش صديقي . و عشان الكلمات دي أكبر من الأسئلة ، و أنا أكبر من الإجابات .

أ.ع : بارانويا عظمة !

أ.ع : لأ ! أيّ ( أنا ) أكبر من الإجابات . و ( الأنا ) اللي الإجابات تفكّها تبقى أنا نُصّ عُمر . الحلزون ما بينتهيش في ناحية التكبير .. مفهوم .. و ما بينتهيش في ناحية التصغير ، هِنا ، .. . و بالمناسبة كُل الأنوية فيهم الأربعة ، أو الخمسة ، مش متأكّد من العدد حقيقةً . لكنهم أصول و حديثي عنهم فاقد الأهلية .

أ.ع : خايف ؟

أ.ع : أنا ؟ من إيه ؟ إنت اللي خايف ! إنت اللي اعتدت على كمّ مُعيّن من الاسترسال . إنت حبيس الكمّ و الأسلوب . لكن بالمناسبة ؛ في الأول و في الآخر الأمر خطأك إنت الشخصي . مش أنا اللي بالعب ، إنت اللي طمّاع . عارف ، لازم تعرف ، التهام العالَم مش بينَ غمضة عينٍ و انتباهتها . التهام العالم مش للتحقيق و لا للتدقيق و لا للتقصّي . التهام العالم بين الأصحاب فقط ، و إنت مش صديقي . حتّى التهامه بين الأصحاب لا يجدي نفعاً طول الوقت . التهام العالم لا يشحِن بالضرورة الوقت ، فتكونُ مضطّراً لالتهام الوقت ، و تُصاب بتخمة بنت متناكة و زوانٍ . التهام العالَم حَصري و حِصار . ليس للجميع نفس القدرة على الهضم ، و ليس الجميع قابلينَ للسِمنة . فيه المتورّم و فيه الذي يمتصّ الصدمة و يبصُق الكراهية و فيه الذي يمتصّ فاكراً كدا الصحّ . و لكنّ العالم أخذ و عطا و هات و خُذ و شيّلني و أشيّلك ، العالم قالَ كِدا عن نفسِه . فقط هُناك بأفٌ وحيد يخَالهُا رَوشَنة ، يخَالُ حَمل العالَم كمالاً في الأجسام و نقصاً في العَون . بالمُناسبة .. سيزيف حِمار حصاوي ، كاتب الأسطورة يعيشُ في بُعدَين . و بَعْدَين ؟ و حَسَنَيْن و مُحمّدَيْن .  العالم فيهِ ما فيه و ما يكفّيه و يستَرجِل و يخالُها روشَنة . من يومين كانَ حاملاً العالَم و بادِية عليه ملوحة الهواء . كانَ حاملاً العالَم و مُحتاساً فيه في موقَف عبّود . حَمَل العالَمَ في الميترو و لم يسعهما الميكروباص ، فاضطّر لوضعه فوق الشبكة ، و اضطّر لدفع أجرة لمُشاركة الميكروباص في حَمل العالَم . رأيتهُ ؛ طلّعَ من جيبُه عالماً يتسلَى في حمله في السكّة كي ينسى مُعاناة فقده المؤقت لمعاناة حَمل العالم ، سلّى نفسَه في مأساةٍ أصغَر . انفكّت الحِبال الحاملة للعالم فوق الميكروباص و تدحرج العالَم حتى سقط في الترعة و زِعِلَ جدّاً  لفترةٍ طويلة ، ثم اضطّر للاكتفاء بالتسلّي في المعاناة التي يحملها في جيبُه . التهام العالم مش سهل يا صديقي . دا كُل اللي أقدر أقوله ، طول الوقت ، لو فقدت إنت كُل الأسئلة ، و أنا فقدت كُل الإجابات .

أ.ع : شُكراً ، سلام .
أ.ع : سلام دائم .

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

أبو علي يحاورهُ .. أبو علي ! (5)

أ.ع : عندك استعداد نكمّل ؟
أ.ع : صدقني لما أزهق ، أو أحسّ إني هاكرر اللي بيتقال بصياغات تانية هابطّل .
أ.ع : عظيم ، عشان المرة دي أعتقد هتبقى مُرهقة .
أ.ع : اتعوّدت .
أ.ع : مبدئياً ، سؤال جَه في بالي دلوقت .. مش شايف اللي بنعمله استنزاف للكتابة ؟

أ.ع : أنا خُفت من دا ، و خُفت إن دي تبقى أي نوع من أنواع السيرة ، ذاتية أو موضوعيّة . أنا كُل اللي عاوزه عكس كدا تماماً . لكن رجعت و قُلت إن دا شرح ، مش أدَبي بحال من الأحوال ، حتى إن كان فيه صور و مجازات و استعارات داخليّة و خارجيّة . مش هاقول لك إن غرضي كشف العالم و فكّ لغزه ، و لا حتّى فكّ لُغزي أنا الشخصي .. لإنّي لو فكّيت لغزي الشخصي ، و زي ما قُلنا ، شخصي نفسه هيتفكّ ، هيتفكِّك و يضيع . الشخصيّة زي شريط الدي.إن.إيه بالزبط . فكّها تماماً بيمحي طابعها و ( بصمتها ) ، أقصى آمال الواحد إنه ( يكشف ) شخصيته ، إنما يفكّها ؟ أعتقد إنه مستحيل . قد ما فيه تشابهات قد ما فيه تناقضات و نوافر . إحنا ، بجانبنا الروحي و الإنساني ممكن فهمنا في إطار مادّي جداً ، بس لو وسّعنا مفهوم المادّة ، يعني نقلنا منهجها ، لو بطّلنا نشوف إن الروح جانب غير مادّي ، أنا مش شايف المادّية فلسفة موضوع قدّ ماهي فلسفة منهج . الفكرة دي ساقطة تماماً لو جيت ناقشتها مع أي مفكّر مادّي ، لإنه شايف المادّة بالمفهوم الشخصي ، التجسيدي تماماً ، لازم يكون الموضوع موجود ، لازم يكون عِلم النفس جسدي ، و لازم تكون المُعتقدات مرئيّة . شايف دا ضيق في فهم المادّة . المادّة شاملة لكل الموجودات ، باطلة أو صادقة بأي اعتقاد ، ظاهرياً يعني .. تعامَل مع الخامة مش ممع الحقيقة ، المريب .. إن بالصورة الأولانية تلاقي إنّ الماديين مثاليين جداً ، الشكل دا من دراسة و فهم المادّة يخلّيهم مثاليين تماماً . همّا بيتحركوا من قناعة عن المادّة ، مش من المادّة ... المادّة بالنسبة لي ، بالنسبة لفكري الشخصي .. أي شيء موجود أو يحتمل إمكانية الوجود ، دراسة التصوّرات و الظواهر دراسة مادّية لو اتعاملت معاها بمنهجيّة تامّة . الصورة الأولى للمادّة .. القناعة السابقة عنها يعني ، طلّعت مُلحدين مثاليين جُوف ، ماركسيين نظريين ، مفكّرين ميكانيكيّين على رأي صديقي و رفيقي " محمود عبد الحكيم " . لإنّك غصب عنّك مادام اتحرّكت من تصوّر ، أيّ تصوّر ، لازم تلفّ و ترجعله و هتبقى صاحب صرح فكري كامِل ، لكنه دائري و (مخروم) . عارف .. عارف طبعاً إنّي ما باستظرفش التصوّف و لا المتصوّفين . لكن الجملة الشهيرة بتاعة الحلّاج ( لقد صار قلبي قابلاً لكل صورةٍ ) .. لو جزأناها من سياقها العاطفي ، و حاولنا فهمها في إطار فكري تلاقي إن دا اللي أنا باحاول أقوله من الأوّل . تعامَل مع الوجود بصورته ، مانع تحاول تغيّره بتصوّرك ، لإنّك سواء نجحت و غيّرته أو فشلت فالفكرتين متضمّنتين في الوجود الحقيقي اللي لا أنا ولا إنت عارفينه لكن بنخمّنه طول الوقت . دلوقتي ألاقي نفسي أنا اللي بسأل ، قبل ما إنت تسأل .. طب أعمِل إيه في انطباعاتي ؟ و الأصوات الفطرية اللي بتأكّد حدسي ؟ أمحيها و أحاول أكون ( موضوعي ) ؟ أردّ على نفسي و أقول لأ ، لإنّ دا كمان متضمّن في اللي إنت  بتقراه في الحياة . يعني أكتر شيء ممكن تعمله إنك ( تُدرِك) نفسك ، مش إنّك تغيّرها . كانت صديقتي ، و هيّ شاعرة و كاتبة و طبيبة نفسيّة في نفس الوقت ، " أميرة الأدهم " ، بتقول لي في مرّة " يا حسن _ هيّ بتحب تقول لي كدا _ الأمراض النفسية ما بتتعالجش " . أنا اكتشفت إنّي مقتنع بكدا تماماً . كُل الإحراز اللي كُل الحضارات بتعمله مش أكتر من تطوير للخامة ، إعادة تشكيل و إعادة رؤية ، لكن لا الخامة بتتغيّر ، و لا إنسان العصر الحديث أو العالم الغني أهمّ أو أكثر وعياً من الإسبرطي أو المصري القديم . آه .. إنت كإنسان حديث وعيك بالأجزاء زاد لإنّ حياتك كلها فكّ و تركيب و قطع غيار . إنتّ حضارتك على المستوّى الذري ، حضارته على المستوى المعاكس . لكن وعيكم الكُلّي واحد ، واحد صحيح .

أ.ع : شرخت إنت ف الحديث من ذاتك للفلسفة ، قراءاتك في الفلسفة تسمح لك بدا ؟

أ.ع : نعم ؟ ( تسمحلي ) ؟ في الأول و في الآخر أنا مش واقف في رواق جامعة القاهرة باناقش دكتوراه في نقد الفلسفة الظاهرانيّة ! أنا باكره الأجواء النظرية دي تماماً ، باحبّ أقرا الكُتب و أعاني معاها ، لإنّ كُتابها بيتعمّدوا الإلغاز ع الورق . و ما باحبش اتفرّج على نفس الكاتب بيناقش نفس الفكرة في رواق جامعي أكاديمي . غصب عنّي ، أي كان الموضوع مهم و اللي بيتكلم جدير بالسماع ، بيقعوا في نُقرتين ، واحدة في الكتابة ، وواحدة في الظهور و الكلام ، و الاتنين ممكن تلخيصهم في " بارانويا المثقّف _ الأكاديمي " ، و اللي نتج عنها مؤخراً " بارانويا المدعي _ الافتراضي " ، مش المُدعي الاشتراكي ( يضحك ) .. المُثقّف الأكاديمي الجيّد في أحسن الأحوال بينورِط _ حتّى في أشدّ حالاته ثورية _ في أسلوب أكاديمي تماماً . و الأسلوب الأكاديمي قدّ ما يبدو عِلمي قد ما ماهو مش واقعي إطلاقاً . باقول لك ( يبدو ) عِلمي ، دا بفرض حُسن النوايا و إن الكاتب مُجرّد إنه ( اعتاد ) على الشكل دا من الكتابة . بفرض سوء النوايا ، اللي أنا أقرب لُه لإنه منطقي و بسيط و يومي و أيّ رد عليه هيبقى بزعيق أو بتريقة ، أو باستمناء معلوماتي قَذِر . باقول ، بفرض سوء النوايا .. فالكاتب في الفلسفة معظم الوقت مريض ، في أي منطقة من العالم ، بس هنا زيادة ، خصوصاً إن معظمهم مُترجمين ، و الترجمة في الوطن العربي مرض وبائي ، شيء قيء ، خرا ابن قحبة . مُتحذلقين في صورتهم الأبشع . الكُتّاب و المُترجمين العرب عشان إحساسهم العميق بالنقص ، الكُتاب و المُترجمين العرب في معظم المجالات شاعرين بالنقص الشخصي و الجماعي بوضوح ، متلازمة الصعوبة و السهولة و الإلغاز و الوضوح عندهم متوازية و مُطَّردة مع مُتلازمة تانية و هي متلازمة الظهور و الخفاء . شعور الكاتب و هوّ بيكتب إنّه خفي بيساعده في إذكاء جذوة مرضه ، في تخيّل قارئ حِمار يقرأ ولا يعي شيء ، فتزيد لذّته الناقصة اللي تستحقّ الشفقة و البصق . لكن ع العَلن ، كأيّ مريض بارانويا تبدأ التهتهة المُترجمة في وضوح ، وضوح لحد انقلاب العُمق الورقي لسخافة منطوقة ، لإنه غير قادر على مواجهة الجموع . أنا هاقولهالك بصراحة ؛ أنا باحبّ سقراط ، ما سابش كتابات و ساب فكر . و يمكن يكون سقراط اختراع أفلاطون زي ما بيقولوا ، زيّ ما أنا ممكن أكون اختراعَك . لكن يظلّ ، سواء أسطورة أو واقع عظيم . أنا باحب لغة كُتّاب الفلسفة السوفييت ، شديدة التحيّز واضحة الانتماء . أدعياء الحُرية الأروام بيقولوا ( مش علميين ) ، أدعياء الموضوعية الأبرار بيقولوا ( مش منهجيين ) ، أنا شايف إنهم واقعيين . مُنحازين ؟ أحه ! ما كُلنا منحازين .. هما واضحين الانحياز بسّ ، أجدع و أرجل من غيرهم اللي يتدّارى ف الفكر علشان يغطّي عُقده و انتماءاته اللي هي غالباً ، مريضة ، زيه . أكتر حدّ ، كاتب و مثقّف ، و على فكرة أكاديمي عربي بيوصلني ، لإنّ مفيش انفصام بين منجه المكتوب و منتجه المقروء كان " مهدي عامل " الله يرحمه . بخصوص المترجمين العرب بقا ، تاني ، يلعن دين أمّهم ، يا أخي فسّر النص بالنصّ المكافئ ، إنما بتعلّي على النصّ الأصلي بدين أهلك ليه ؟ فيه كتير من الكتّاب الغربيين لغتهم ، حتّى الغامضة مفهومة في سياقها و ( محسوسة ) جداً . هنا بتحصل عملية منهجية لتخريب النصوص و تخريفها و يمكن تحريفها كمان . و ينتقل دا كُله على إنه ثقافة و طفرة أدبية ، في حين إنه في الواقع سوء فهم و سوء ذوق .

أ.ع : بس إنت قلت إنك بتحب تقرا الكُتب و تعاني معاها ، غاوي تعذيب ؟

أ.ع : لأ مش دا القصد إطلاقاً ، القصد إني باحبّ أقرا الكُتب ، حتّى لو هاعاني معاها ، معاناتي معاها بتأكّد على كراهيتي للكُتّاب و إخلاصي للأفكار ، لكن فيه نوع تاني من ( أعاني معاها ) محببة و منطقيّة ، لما يكون الكتاب صحّ ، مثالي و ما انضربش فيه مفكّ مُتَرجِم أو شخبطة حشو . باعاني مع الكتاب ، لما يكون الكاتب كائن حيّ ، و كتابته كائن حيّ زيه ، و مش ضرورة خالص تكون المعاناة بالمعنى المأساوي بس طبعاً . أنا أقصد " الخبرة " ، الكتاب اللي بينقلك لتجربة مش بينقلّك التجربة . فاهمني ؟ إنما بالطبع باكره المعاناة المُفتعلة اللي باتغصب عليها بدون قصد أحياناً ، بس متهيألي تجاوزت المرحلة دي ، الكاتب الرديء، و كتابه الرديء ما باكمّلش معاه صفحتين .

أ.ع : إيه موضوع سوء النوايا الدائم دا ؟ مش شايف إنه انعكاس لذاتك المريضة ؟

أ.ع : يا مولانا صلّي ع النبي ، كُل الذوات مريضة ، كُل الذوات مريضة لإنها موجودة ، فيه مرض أقل و مرض أكتر . أنا ذاتي مريضة و إنت كذلك . لو إنت فاهم المرض النفسي زي ما أنا فاهمه هتفهمني من أوّل مرّة . مرحلتين هوّ ، وجود و تطبيق ، من حيث الوجود مفيش ذات مثالية لإن دا في أي ظروف واقع مُستحيل ، مهما كان الواقع جيّد و معقول . التطبيق بقا هوّ مربط الفرس الحَرن دا . أنا عارف إنّي مريض و كاشف دا لنفسي ، الآخرين مش هتعرف تكشف لهم دا طول ما همّا مشغولين بنيك العيّان في الميّت حتّى لو قلعت و كشفت لهم وحمتك و الجَلد و الجِلد الميّت و تسلّخات الحَمل و الوِحدة . أنا كاشف ذاتي و الآخرين مش مهموممين غير بذات العيّان و الميّت ، أنا مش عيّان ولا ميّت . عارف .. بالزبط زي لو حطّيت كارت ميناتيل في مكنة فلوس ، مش هتستجيب ، الاستجابة الوحيدة المتوقّعة هتكون سلبيّة غالباً . لإنها ممش مهتمّة . واصلك ؟ قُلتلك أنا عارف مشاكلي و ما باخلّيهاش تحرّكني . و مشاكلي غير انطباعاتي على فكرة ، مش مرتبطين دايماً زي ما هو متصوَّر .  طيب .. فَرَضنا إنّي باتحرك _ حالياً _ من مرضي . فأولاً حتّى لو كدا أنا مش مؤذي ، لا مُتطفّل ولا عالة على الآخرين . باسبّ الدين و بادّن في مالطة . و العيّان بينيك ف الميّت و العَيان مذهولين و منتظرين من المرّة اللي فاتت . يعني يا سيدي ، لازم أشارِك عشان أُقبَل ؟ أنا ماليش أيّ رغبة في نكاح الأموات . و ماليش أيّ رغبة حتّى في إنّي أمنعهم ، لكن حقّي زي ما هو حقّهم أُقبَل كشخص غير مُحب للموت و لا للعيا . كتير دا ؟  لأ .. ما يسيبوكش في حالك ! لازم تموت أو تعيا عشان تشارك في أحد الطقسين . لأ ! عند هنا و أحّه ! أنا مش مُضطّر أرسِم صورة على وشّي عشان أُقبل في عُرس الوساخة دا . أنا مش هابارِك اللعنة حتّى لو هيّ مُباركَة و محمودة تماماً . و مش عشان حاجة ، ما تقلقش ، أمثالي دلوقتي ما لهمش أتباع ، همّ ترضى بيه طَوعاً أحسن من نجاسات واقع مُحيط بيك و أقصى أملك فيه إنّك ، بس ، الخرا ما يوصلش رقبتك .

أ.ع : كدا ؟
أ.ع : و أكتر من كدا .
أ.ع : متهيألي كفاية المرّة دي على كدا .
أ.ع : سلام .
أ.ع : سلام دائم ( أبتَسِم ) .