الجمعة، 11 أكتوبر 2013

هل الحُب _ فعلاً _ وهم ابن متناكة ؟



1
على صعيد العلم؛ لغويّاً، بيولوجيّاً، نفسيّاً و اجتماعيّاً فالجُملة صحيحة. لكل شيءٍ أصل، و الأصل يُجازُ عنه في محكي المصريين بالمرأة المتناكة، رغم أن لا تصريفَ سليم لصيغة "متناكة" في العربي الفصيح. و كذلك يرى فرويد أن الأم و الأب هما مُسببا الانفجار العظيم _و لا أدري سرّ عظمته_ و من ثَمّ الكَون و فِعل الكَون المُضمَر في اللغة العربية .
على صعيد آخر؛ فالصورة حلوة .. اللعب على مفارقة الولد و البنت و الكورنيش و الحجاب و الجدار القديم و خط الرقعة و المداهمة المكتوبة على الحيطة "الحُب وهم ابن متناكة"، و التي قد يُشك في مصداقيتها لكون الولد و البنت همّا اللي في عُمق الكادر.
من ناحية تالتة؛ هل الحُب _فعلاً_ وهم ابن متناكة؟ الصراحة لن أقرر الآن. أولاً لإن الصورة/الكلمة لم تكن لتكتسب تلك الأهميّة المتمثّلة في الإعجاب الافتراضي (اللايك و الشير و ما  إلى ذلك) إلا إن كانت تحمل صدى ما؛ صدى الاتفاق المُقتنع بالجُملة، أو صدى المعترض بقوة لخوفه الشديد من صدق الجُملة، أو غير ذلك و لا أعتقد أن هُناك غير ذلك. أي بصورة أو  بأخرى؛ هذا "الوهم ابن المتناكة" يكتسب وجوداً حقيقيّاً كردّة فعلٍ عليه. و ثانياً: لا أعرف إن كان هناك ثانياً و لكنها العادة المُتّبعة في إشعار القارئ بأن الكاتب ذو دماغٍ مُنظم . لزومُ المهنة .
شخصيّاً ؛ منظر البنات و الشباب فوق الكورنيشات في كُل مكان رحته في مصر كان دايماً محل تساؤل بالنسبة لي، ليس سلباً أو إيجاباً، إنما حيرة مُطلقة. هل يُحب الولادُ البناتَ على الكورنيشات؟ أليس هذا _فقط_ مرتَعُ التقفيش المقدّس؟ ثم أنتَ تعلم الباقي، باقي سلسال الفكرة التي تؤدي بك في الآخر إلى أن الناس هي اللي بنت متناكة، و ليس الحُب. أنت ترى المُحبين في الأفلام؛ السامباتيك المُطلق. كل النساء مناسبات لكل الرجال الذين خُلقوا للنساء اللاتي خُلقن لكل الرجال المناسبين. البارح كُنت أخبر صديقي أن الحُب يفتقد للمكساج. لا يوجد تزامن في الحُب. شريط الرجل ليس _ بالضرورة _ راكب فوق شريط المرأة على الحواف من الصفر للنهاية. سامحَ الله السينما. هذه مثلاً أكبر مشكلة في ما يقولونه لكَ في الأفلام . الحُب يفتقر لكل ما تعالجه السينما من ديفوهات الواقع. ثم يبيعك المنتج إياه كوصفة الأسد السحرية التي ستجعل قضيبك ولا قضيب القطر، و أنت غلبانٌ و تُصَدّق . تُصدّق لدرجة أن تكون معاناتك قائمة بالكامل على مُفارقة التصوّر، التصور الذي  يمنعك أن تتصور أن بنتاً قبيحة تُحبُّ خَولاً من كامل قُبحها، و تمنعك أن ترى الحُب إلا في الشجرة و عصير الليموناضا، و تغفل تماماً عن أن الكُشري هو الراعي الرسمي للسواد الأعظم من المُحبين و الوحيدين. و لو وَهَبنا (و أنا هُنا أدشدش تركيب عربي) أنّك وجدت شريكتك التي بالضرورة _وبالمناسبة_ ستكون وهماً خاماً، خالصاً، صِرفاً، محضاً، مُجرّداً، قُحّاً .. ووصلتما لذروة العلاقة ستنتهيان و لا محالة إلى طريق من اتنين؛ المصحّة أو المشرحة ، أحدكما أو كلاكُما . و السبب قد قُتِل شرحاً .
و ما قَد قُتل شرحاً لا أفضّل إحياؤه، و لكن الأمر صفصف في ما سبق على أن الحُب _حتى الآن_ ليس ابن متناكة ، بل أنتَ و هيّ _فقط_ اللي ولاد متناكة.

2
سأسرد قصة وهمية؛ عن الخراء، و ليكن فيها أن الخرا قد وجدَ شريكة دربِه، و لتكن خليلته اسمها "خريَة"، و نكحَ الخرا خريَه . و حبلت الخرية بخرية جديدة، و جاء موعدُ الولاد ، و أخذنا في الحُسبان أنّ آلام الطَلقِ أشدُّ من آلام الإخراء، بالنسبة للأنثى، السيدة "خرية" على الأقل. فهل يا ترى يا هلتره تمحو آلام الطلق آلام الحزق؟ أي هل يُخلَّصُ المولود من كونه خرية صغيرة بألم أمه الخرية الكبيرة ؟
و لزيادة في التوضيح فالسيد خرا و زوجته خرية إن كانا قد تورّطا في دروبٍ أُخرى، و أخرا .. ماذا قد يزيد الطينة بلّة ساعتها؟ أسوأ ما في الأمر أنه بدلاً من أن يكون الناتج خريةً صغيرة سيكون حلزوناً هائلاً من الفضلات. و من هنا نجد أن مغزى الحدوتة هو السيّان. السباق ليس سباق فوز بقدر كونه سباق تقليل نقاط. كل ما تستطيعه هو تقليل ما تحمل من قطران. و في هذه القصة نجد أنه سيّان أن يكون الحُب وهم ابن متناكة، و ألا يكون الحُب وهم ابن متناكة، أو أن تكونَ سيادتك و سيادتها أولاد متناكة، أو لا تكونا (مع أنه غير واقع بالمرّة).

3
حتى الآن لم أعرف مدى صدق المقولة، بتنحية القائل المجهول على جنب، و على سبيل مداعبة الفكرة أحب أقول أن هناك خطأً آخر؛ وهو أن الوهم لا يكون أبداً ابن متناكة، الوهم، اسمه وهم، و إن كان ابن متناكة فهو أصيل، و لا يكونُ الوهم أصيلاً غالباً، في طبقاتٍ بعينها، و فئات بعينها، و لكن و بما أن الحُب حاطط على الجميع، فهو إمَا أصيل ، و إمّا هو وهم أصيل . و أخيراً و جدتُ إجابة ، هبلة و لكنها منطقيّة لحد كبير.
إن كان الوهمُ أصيلاً فهو بالضرورة لقضاء حاجة، و قضاء الحاجة ليس دناءة، و لكن التورية دناءة. و إن كانت التورية دناءة، فليس ثمّة مشكلة إطلاقاً مع الحُب، الذي بالطبع لا نعرفه و لا نراه حتى في أعياده الرسميّة . و ليست في الوهم الذي نسميه حُبّاً ، لإنه إجمالاً الموهوم مريض و ليس على المريض حرج . المُشكلة لم تكن إطلاقاً مع الوهم ، المشكلة دائماً مع الواقع .
و الواقع يقول أن ما يمكن أن يكون حُباً لا يوجد فيمن يعانون من قلة الحُب، و لا فيمن يلوكون المعاناة من قلّة الحُب، و لا فيمن يقفشّونَ على الكورنيش، مع أن رواد الكورنيش معذورين أكتر من غيرهم، و لكنه ليس حُباً أيضاً، و كذلك ليس ما يدين به الشُعرا و لا الأدبا و لا الفنانين حُب . إنه لا يربو على تقفيشٍ من درجة و طبقة أخرى .


هذا ، و بالله التوفيق .