أ.ع : عندك استعداد نكمّل ؟
أ.ع : صدقني لما أزهق ، أو أحسّ إني هاكرر اللي بيتقال
بصياغات تانية هابطّل .
أ.ع : عظيم ، عشان المرة دي أعتقد هتبقى مُرهقة .
أ.ع : اتعوّدت .
أ.ع : مبدئياً ، سؤال جَه في بالي دلوقت .. مش شايف اللي
بنعمله استنزاف للكتابة ؟
أ.ع : أنا خُفت من دا ، و خُفت إن دي تبقى أي نوع من
أنواع السيرة ، ذاتية أو موضوعيّة . أنا كُل اللي عاوزه عكس كدا تماماً . لكن رجعت
و قُلت إن دا شرح ، مش أدَبي بحال من الأحوال ، حتى إن كان فيه صور و مجازات و
استعارات داخليّة و خارجيّة . مش هاقول لك إن غرضي كشف العالم و فكّ لغزه ، و لا
حتّى فكّ لُغزي أنا الشخصي .. لإنّي لو فكّيت لغزي الشخصي ، و زي ما قُلنا ، شخصي
نفسه هيتفكّ ، هيتفكِّك و يضيع . الشخصيّة زي شريط الدي.إن.إيه بالزبط . فكّها
تماماً بيمحي طابعها و ( بصمتها ) ، أقصى آمال الواحد إنه ( يكشف ) شخصيته ، إنما
يفكّها ؟ أعتقد إنه مستحيل . قد ما فيه تشابهات قد ما فيه تناقضات و نوافر . إحنا
، بجانبنا الروحي و الإنساني ممكن فهمنا في إطار مادّي جداً ، بس لو وسّعنا مفهوم
المادّة ، يعني نقلنا منهجها ، لو بطّلنا نشوف إن الروح جانب غير مادّي ، أنا مش
شايف المادّية فلسفة موضوع قدّ ماهي فلسفة منهج . الفكرة دي ساقطة تماماً لو جيت
ناقشتها مع أي مفكّر مادّي ، لإنه شايف المادّة بالمفهوم الشخصي ، التجسيدي تماماً
، لازم يكون الموضوع موجود ، لازم يكون عِلم النفس جسدي ، و لازم تكون المُعتقدات
مرئيّة . شايف دا ضيق في فهم المادّة . المادّة شاملة لكل الموجودات ، باطلة أو
صادقة بأي اعتقاد ، ظاهرياً يعني .. تعامَل مع الخامة مش ممع الحقيقة ، المريب ..
إن بالصورة الأولانية تلاقي إنّ الماديين مثاليين جداً ، الشكل دا من دراسة و فهم
المادّة يخلّيهم مثاليين تماماً . همّا بيتحركوا من قناعة عن المادّة ، مش من
المادّة ... المادّة بالنسبة لي ، بالنسبة لفكري الشخصي .. أي شيء موجود أو يحتمل
إمكانية الوجود ، دراسة التصوّرات و الظواهر دراسة مادّية لو اتعاملت معاها
بمنهجيّة تامّة . الصورة الأولى للمادّة .. القناعة السابقة عنها يعني ، طلّعت
مُلحدين مثاليين جُوف ، ماركسيين نظريين ، مفكّرين ميكانيكيّين على رأي صديقي و
رفيقي " محمود عبد الحكيم " . لإنّك غصب عنّك مادام اتحرّكت من تصوّر ،
أيّ تصوّر ، لازم تلفّ و ترجعله و هتبقى صاحب صرح فكري كامِل ، لكنه دائري و
(مخروم) . عارف .. عارف طبعاً إنّي ما باستظرفش التصوّف و لا المتصوّفين . لكن
الجملة الشهيرة بتاعة الحلّاج ( لقد صار قلبي قابلاً لكل صورةٍ ) .. لو جزأناها من
سياقها العاطفي ، و حاولنا فهمها في إطار فكري تلاقي إن دا اللي أنا باحاول أقوله
من الأوّل . تعامَل مع الوجود بصورته ، مانع تحاول تغيّره بتصوّرك ، لإنّك سواء
نجحت و غيّرته أو فشلت فالفكرتين متضمّنتين في الوجود الحقيقي اللي لا أنا ولا إنت
عارفينه لكن بنخمّنه طول الوقت . دلوقتي ألاقي نفسي أنا اللي بسأل ، قبل ما إنت
تسأل .. طب أعمِل إيه في انطباعاتي ؟ و الأصوات الفطرية اللي بتأكّد حدسي ؟ أمحيها
و أحاول أكون ( موضوعي ) ؟ أردّ على نفسي و أقول لأ ، لإنّ دا كمان متضمّن في اللي
إنت بتقراه في الحياة . يعني أكتر شيء
ممكن تعمله إنك ( تُدرِك) نفسك ، مش إنّك تغيّرها . كانت صديقتي ، و هيّ شاعرة و
كاتبة و طبيبة نفسيّة في نفس الوقت ، " أميرة الأدهم " ، بتقول لي في
مرّة " يا حسن _ هيّ بتحب تقول لي كدا _ الأمراض النفسية ما بتتعالجش "
. أنا اكتشفت إنّي مقتنع بكدا تماماً . كُل الإحراز اللي كُل الحضارات بتعمله مش
أكتر من تطوير للخامة ، إعادة تشكيل و إعادة رؤية ، لكن لا الخامة بتتغيّر ، و لا
إنسان العصر الحديث أو العالم الغني أهمّ أو أكثر وعياً من الإسبرطي أو المصري
القديم . آه .. إنت كإنسان حديث وعيك بالأجزاء زاد لإنّ حياتك كلها فكّ و تركيب و
قطع غيار . إنتّ حضارتك على المستوّى الذري ، حضارته على المستوى المعاكس . لكن
وعيكم الكُلّي واحد ، واحد صحيح .
أ.ع : شرخت إنت ف الحديث من ذاتك للفلسفة ، قراءاتك في
الفلسفة تسمح لك بدا ؟
أ.ع : نعم ؟ ( تسمحلي ) ؟ في الأول و في الآخر أنا مش
واقف في رواق جامعة القاهرة باناقش دكتوراه في نقد الفلسفة الظاهرانيّة ! أنا
باكره الأجواء النظرية دي تماماً ، باحبّ أقرا الكُتب و أعاني معاها ، لإنّ
كُتابها بيتعمّدوا الإلغاز ع الورق . و ما باحبش اتفرّج على نفس الكاتب بيناقش نفس
الفكرة في رواق جامعي أكاديمي . غصب عنّي ، أي كان الموضوع مهم و اللي بيتكلم جدير
بالسماع ، بيقعوا في نُقرتين ، واحدة في الكتابة ، وواحدة في الظهور و الكلام ، و
الاتنين ممكن تلخيصهم في " بارانويا المثقّف _ الأكاديمي " ، و اللي نتج
عنها مؤخراً " بارانويا المدعي _ الافتراضي " ، مش المُدعي الاشتراكي (
يضحك ) .. المُثقّف الأكاديمي الجيّد في أحسن الأحوال بينورِط _ حتّى في أشدّ
حالاته ثورية _ في أسلوب أكاديمي تماماً . و الأسلوب الأكاديمي قدّ ما يبدو عِلمي
قد ما ماهو مش واقعي إطلاقاً . باقول لك ( يبدو ) عِلمي ، دا بفرض حُسن النوايا و
إن الكاتب مُجرّد إنه ( اعتاد ) على الشكل دا من الكتابة . بفرض سوء النوايا ،
اللي أنا أقرب لُه لإنه منطقي و بسيط و يومي و أيّ رد عليه هيبقى بزعيق أو بتريقة
، أو باستمناء معلوماتي قَذِر . باقول ، بفرض سوء النوايا .. فالكاتب في الفلسفة
معظم الوقت مريض ، في أي منطقة من العالم ، بس هنا زيادة ، خصوصاً إن معظمهم
مُترجمين ، و الترجمة في الوطن العربي مرض وبائي ، شيء قيء ، خرا ابن قحبة .
مُتحذلقين في صورتهم الأبشع . الكُتّاب و المُترجمين العرب عشان إحساسهم العميق
بالنقص ، الكُتاب و المُترجمين العرب في معظم المجالات شاعرين بالنقص الشخصي و
الجماعي بوضوح ، متلازمة الصعوبة و السهولة و الإلغاز و الوضوح عندهم متوازية و
مُطَّردة مع مُتلازمة تانية و هي متلازمة الظهور و الخفاء . شعور الكاتب و هوّ
بيكتب إنّه خفي بيساعده في إذكاء جذوة مرضه ، في تخيّل قارئ حِمار يقرأ ولا يعي
شيء ، فتزيد لذّته الناقصة اللي تستحقّ الشفقة و البصق . لكن ع العَلن ، كأيّ مريض
بارانويا تبدأ التهتهة المُترجمة في وضوح ، وضوح لحد انقلاب العُمق الورقي لسخافة
منطوقة ، لإنه غير قادر على مواجهة الجموع . أنا هاقولهالك بصراحة ؛ أنا باحبّ
سقراط ، ما سابش كتابات و ساب فكر . و يمكن يكون سقراط اختراع أفلاطون زي ما
بيقولوا ، زيّ ما أنا ممكن أكون اختراعَك . لكن يظلّ ، سواء أسطورة أو واقع عظيم .
أنا باحب لغة كُتّاب الفلسفة السوفييت ، شديدة التحيّز واضحة الانتماء . أدعياء
الحُرية الأروام بيقولوا ( مش علميين ) ، أدعياء الموضوعية الأبرار بيقولوا ( مش
منهجيين ) ، أنا شايف إنهم واقعيين . مُنحازين ؟ أحه ! ما كُلنا منحازين .. هما
واضحين الانحياز بسّ ، أجدع و أرجل من غيرهم اللي يتدّارى ف الفكر علشان يغطّي
عُقده و انتماءاته اللي هي غالباً ، مريضة ، زيه . أكتر حدّ ، كاتب و مثقّف ، و
على فكرة أكاديمي عربي بيوصلني ، لإنّ مفيش انفصام بين منجه المكتوب و منتجه
المقروء كان " مهدي عامل " الله يرحمه . بخصوص المترجمين العرب بقا ،
تاني ، يلعن دين أمّهم ، يا أخي فسّر النص بالنصّ المكافئ ، إنما بتعلّي على النصّ
الأصلي بدين أهلك ليه ؟ فيه كتير من الكتّاب الغربيين لغتهم ، حتّى الغامضة مفهومة
في سياقها و ( محسوسة ) جداً . هنا بتحصل عملية منهجية لتخريب النصوص و تخريفها و
يمكن تحريفها كمان . و ينتقل دا كُله على إنه ثقافة و طفرة أدبية ، في حين إنه في
الواقع سوء فهم و سوء ذوق .
أ.ع : بس إنت قلت إنك بتحب تقرا الكُتب و تعاني معاها ،
غاوي تعذيب ؟
أ.ع : لأ مش دا القصد إطلاقاً ، القصد إني باحبّ أقرا
الكُتب ، حتّى لو هاعاني معاها ، معاناتي معاها بتأكّد على كراهيتي للكُتّاب و
إخلاصي للأفكار ، لكن فيه نوع تاني من ( أعاني معاها ) محببة و منطقيّة ، لما يكون
الكتاب صحّ ، مثالي و ما انضربش فيه مفكّ مُتَرجِم أو شخبطة حشو . باعاني مع
الكتاب ، لما يكون الكاتب كائن حيّ ، و كتابته كائن حيّ زيه ، و مش ضرورة خالص
تكون المعاناة بالمعنى المأساوي بس طبعاً . أنا أقصد " الخبرة " ،
الكتاب اللي بينقلك لتجربة مش بينقلّك التجربة . فاهمني ؟ إنما بالطبع باكره المعاناة
المُفتعلة اللي باتغصب عليها بدون قصد أحياناً ، بس متهيألي تجاوزت المرحلة دي ،
الكاتب الرديء، و كتابه الرديء ما باكمّلش معاه صفحتين .
أ.ع : إيه موضوع سوء النوايا الدائم دا ؟ مش شايف إنه
انعكاس لذاتك المريضة ؟
أ.ع : يا مولانا صلّي ع النبي ، كُل الذوات مريضة ، كُل
الذوات مريضة لإنها موجودة ، فيه مرض أقل و مرض أكتر . أنا ذاتي مريضة و إنت كذلك
. لو إنت فاهم المرض النفسي زي ما أنا فاهمه هتفهمني من أوّل مرّة . مرحلتين هوّ ،
وجود و تطبيق ، من حيث الوجود مفيش ذات مثالية لإن دا في أي ظروف واقع مُستحيل ،
مهما كان الواقع جيّد و معقول . التطبيق بقا هوّ مربط الفرس الحَرن دا . أنا عارف
إنّي مريض و كاشف دا لنفسي ، الآخرين مش هتعرف تكشف لهم دا طول ما همّا مشغولين
بنيك العيّان في الميّت حتّى لو قلعت و كشفت لهم وحمتك و الجَلد و الجِلد الميّت و
تسلّخات الحَمل و الوِحدة . أنا كاشف ذاتي و الآخرين مش مهموممين غير بذات العيّان
و الميّت ، أنا مش عيّان ولا ميّت . عارف .. بالزبط زي لو حطّيت كارت ميناتيل في
مكنة فلوس ، مش هتستجيب ، الاستجابة الوحيدة المتوقّعة هتكون سلبيّة غالباً .
لإنها ممش مهتمّة . واصلك ؟ قُلتلك أنا عارف مشاكلي و ما باخلّيهاش تحرّكني . و
مشاكلي غير انطباعاتي على فكرة ، مش مرتبطين دايماً زي ما هو متصوَّر . طيب .. فَرَضنا إنّي باتحرك _ حالياً _ من مرضي
. فأولاً حتّى لو كدا أنا مش مؤذي ، لا مُتطفّل ولا عالة على الآخرين . باسبّ
الدين و بادّن في مالطة . و العيّان بينيك ف الميّت و العَيان مذهولين و منتظرين
من المرّة اللي فاتت . يعني يا سيدي ، لازم أشارِك عشان أُقبَل ؟ أنا ماليش أيّ
رغبة في نكاح الأموات . و ماليش أيّ رغبة حتّى في إنّي أمنعهم ، لكن حقّي زي ما هو
حقّهم أُقبَل كشخص غير مُحب للموت و لا للعيا . كتير دا ؟ لأ .. ما يسيبوكش في حالك ! لازم تموت أو تعيا
عشان تشارك في أحد الطقسين . لأ ! عند هنا و أحّه ! أنا مش مُضطّر أرسِم صورة على
وشّي عشان أُقبل في عُرس الوساخة دا . أنا مش هابارِك اللعنة حتّى لو هيّ مُباركَة
و محمودة تماماً . و مش عشان حاجة ، ما تقلقش ، أمثالي دلوقتي ما لهمش أتباع ، همّ
ترضى بيه طَوعاً أحسن من نجاسات واقع مُحيط بيك و أقصى أملك فيه إنّك ، بس ، الخرا
ما يوصلش رقبتك .
أ.ع : كدا ؟
أ.ع : و أكتر من كدا .
أ.ع : متهيألي كفاية المرّة دي على كدا .
أ.ع : سلام .
أ.ع : سلام دائم ( أبتَسِم ) .