الأحد، 24 نوفمبر 2013

أبو علي يحاورهُ .. أبو علي ! (3)


أ.ع : في المرّة الأولى اتكلمنا عن إنك كُنت بتكتب شِعر ، أو أشياء شبيهة بالشعر زي ما بتحب تقول إنت ، و بعدين قُلت " ، فكان كل اللي طالع معايا شعر ، رومانسي و حُب و دين ووطن و الجوّ دا ، كانت كتابات مُضحكة و مخزية جداً ، كان فيه كشكولين مجمّع فيهم الحاجات دي ، و كان اللي حواليا للأسف معجبين بالسخافات دي . الكشكولين أعتقد لسه محتفظ بيهم ، أول تجربة حُب كنت كاتب عنها فيهم " . طريقة كلامك عن الكتابات دي ، و الشبيه بالشعر دا تبدو ، مُجملاً ، مش مُريحة !

أ.ع : إزاي ؟

أ.ع : " و الجو دا " ، تقصد إيه ؟ و كمان ، إيه موقفك من الشعر عموماً ؟

أ.ع : دا سؤال عويص و إجابته هتبقى مملة جداً .

أ.ع : اتعوّدت خلاص .

أ.ع : طيب تمام . بص يا سيدي ، هابدأ معاك بالترتيب ، أعتقد هيكون مفيد في نقطة زي دي . أنا قلت " الجو دا " عشان فعلاً شايفُه جوّ ، ترويش ، ضحك ع الدقون أغلبه حتى مع اللي أصحابه مصدقينه ، يمكن عشان مش التصديق هوّ المعيار الوحيد لجودة المُنتج الفنّي .. تعالى مثلاً ، عاوز تفهمني إن تامر حُسني بيعمل اللي بيعمله عشان هو في عقله قايل " أنا هادمّر الغناء " ، بتوع المهرجانات شايفين اللي بيعملوه سبوبة وسخة مثلاً ؟ طبعاً لأ . بتوع المهرجانات دول بيتكلموا عن هموم واقعية جداً و ( بيئيّة ) كمان .. فاهمني طبعاً ؟ دا يخلّي اللي بيعملوه يندرج تحت أي بند من بنود الفنّ ؟ ماكنش حدّ غُلُب . لإن كُل الناس عندها تجارب ، و كل الناس عندها أوطان ، سواء كانت التجارب و الهموم و الأوطان واقعية ولا لأ ، ما بيحددش دا جودة المُنتج من عدمه إطلاقاً . كان فيه حاجة تانية ليها علاقة بالموضوع دا في دماغي و نسيتها حالاً ، وقعت في الفخّ اللي إنت وقعت فيه ( يبتسم ) ، مش مهم ، خلينا نكمّل . لأ افتكرت ، الموسيقيين الكلاسيكيين معظمهم دا إن لم يكُن كلهم بُرجوازيين ولاد ستين مره .. صح ولا غلط ؟ بس فيه فيهم اللي أنتج موسيقى أسطورية ما حصلتش لحدّ النهاردا . دا فخّ بيقّع فيه الشيوعيين النظريين بشكل فجّ . الانحياز للفن ( الشعبي ) ، طيب يا سيدي أنا كمان منحاز للفنّ الشعبي ، بس لو إنت شايف المهرجانات ، و الموسيقى البديلة دي فنّ شعبي يبقى إنت وقعت في نفس بالوعة اللي ضدّك ، بقيت ( هيبستر ) و لا ليك علاقة بالشيوعية ، واحد قرا كلمتين ، عارف زي ما بيقولوا حافظ مش فاهم ، و مُجرد " مُتمرّد " أهبل ولا ليك علاقة بجذرية فكرة التمرّد اللي هي فكرة بنائية بالأساس ، إعادة صياغة مش هدم و إحلال . معلشّ الفكرة جنّبت شوية بس أنا ما نسيتش السؤال ، ما تقلقش . واحد زي باخ ، يوهان سباستيان باخ العظيم .. موسيقي برجوازي متديّن حتّى النخاع . العالم مليان بالمتديّنين و مليان بالمنحرفين و ما حدّش فيهم أنتج مُنتج موسيقي زي باخ في الكلاسيك ، أو السيد " ريّاض السنباطي " في التأليف العربي التقليدي .

أ.ع : بس إنت دلوقت بتتكلم عن المزيكا ، أنا بسألك عن الشعر .

أ.ع : أنا باضرب مثال بنوع من الفنّ . هاكمّل معاك في الشعر ؛ عندك ، في الشعر المحكي المصر فيه علامات ، بعضها اكتسب اسمه من قوّة شعره و بعضها اكتسب اسمه من ظروفه . مثلاً فيه " أحمد فؤاد نجم " ، " فؤاد حدّاد " ، " صلاح جاهين " ، أنا الأقرب ليّا فيهم ، و اللي معتقد في شعريّته جُملةً و تفصيلاً " فؤاد حدّاد " . ليه ؟ فؤاد حدّاد ضرب جميع العصافير بطلقة واحدة و هيّ الشعر . ما اتخلّاش عن شاعريته في سبيل مبادئ ، و ما اتخلّاش عن مبادئ في سبيل شاعرية . أحمد فؤاد نجم عُمري ما ارتحت لكتاتبه ، و بالمناسبة ، ما حبيتش الشيخ إمام إلا في مواضع بعينها . أحمد فؤاد نجم _ و بعيداً عن سخافات التعريض بأسباب شخصية _ شعره يتفهم منه نفس اللي يتفهم من شعر أي حد اتسجن و اتبهدل في عهد عبد الناصر . لكن دا ما يخلّيهوش يرتقي لمرتبة " شاعر " ، من وجهة نظري يا سيدي على الأقل . تجربته سطِت عليه و هيّ اللي كتبته ، مش هوّ اللي كتبها . كذلك " صلاح جاهين " .. المثال الكامل الموديّة و المزاجيّة في الكتابة ، برضو تجربته هيّ اللي بتحركه ( بسّ ) . أنا مش معترض على إن تجربتك تبان في إبداعك على فكرة . أنا بسّ باقول ، بابسط شكل لضرب المثل .. إنه إذا كانت الإلكترونيات بتدخلها " إنبوت _ مُدخلات " و فيه قطعة اسمها " المُعالِج " و يديهالك مُخرجات . آه اتنين زائد اتنين يساوي أربعة ، و أربعة تساوي اتنين زائد اتنين لكن _ على عكس كتير من اللغويين _ اتنين زائد اتنين مش معلوم بالضرورة إنها تساوي أربعة ، دا مثلّ انقله لمجال التجربة البشرية هتلاقيه مُطابق تماماً .. ما ينفعش اتسجن فاكتب قصيدة عنوانها " انا اتسجنت و اتسحلت في سجن العقرب " . حاجة كوميدية للغاية يعني . و عشان كدا باقول لك " جوّ " .. مش ( فَصل ) أو ( موسم ) .. لا ، هي أشعار مش أكتر من أول أشكال التجريب اللي فشلت جداً .

أ.ع : تمام ، إيه موقفك بقا من الشعر بشكل عام ؟

أ.ع : ما بارتحلوش غالباً ، بس مش كارهه و مش مقاطعه .

أ.ع : يعني إيه ما بترتاحلوش ؟ و ليه ؟

أ.ع : يعني إيه ما بارتاحلوش . بص ( مرّت نصف ساعة ) مش عارف أجاوبك فعلاً ، أي إجابة هاقولها مش هتكون مُريحة ولا وافية ، " فرناندو بيسوا " بيقول في اللاطمأنينة إن الشعر مرحلة ، أنا معتنق الفكرة دي تماماً من قبل ما أقرا " اللاطمأنينة " ، ممكن يكون عشان هوّ جوزاء و أنا كذلك ، ممكن .. في الأول و في الآخر البشر اخترعوا الخرافة عشان يعبّروا عن واقع ، فيه مرحلة من حدوتة ( الأبراج ) باصدقها .. مش لدرجة التنبؤ و الدجل إلخّ ، لأ .. بس إحنا _ مش مُستبعد و مش أكيد _ إن إحنا نكون بنتكرر . في الأول و في الآخر الأكيد إن فرناندو بيسوا مات ، و كتابه عايش ، و أنا عايش . و أنا قريته بعد ما كُنت معتنق الفكرة . الشِعر مُعظمه كتابة مرحلية .. الاضطرار للمزّيكا مرحلي . مش لإن المزيكا أقلّ من الفنون الاخرى لا سمح الله . لكن لإنها أحسن ( وسيلة ) تحمل شعور . و تكرارها بيخليك مُستمتع حتّى لو مش فاهم . دي مرحلة دُنيا من الكتابة الشعرية ، الشاعر الفاقد لجميع الأدوات عدا القافية و العَروض ، آلاتي كتابة مش شاعر إن جيت للحقّ . بس خلينا ما ننساش إن الموسيقا الشعرية آلة ، أداة مهمّة ، لازم امتلاكها حتّى لو مش هتستخدمها في كتابتك الشعرية . لإن فيه موضة اتكلمنا عنها المرّة اللي فاتت ، موضة أدباء الواقع الافتراضي ، اللي معظمهم فاقد الأدوات و بيلفّق كتابته السخيفة في " قصيدة النثر ، الشعر الحديث ، النصوص " .. و فيه اللي بيمتلكوا الأدوات لمجرّد سدّ الخانة . مش عارف ، هي الناس دي بتكتب ليه ؟ هيّ وظيفة ؟ هوّ حد اضطر سيادتك تكتب و تمتلك أدوات ؟ الكتابة عبء بس اختياري تماماً . فيه ناس بيتعلموا العَروض و القافية علشان لو حد سألهم بسّ يقولوا آع عارفين ، إنما الحِسّ الموسيقي ؟ صِفر ، صفر لا نهائي الصفرية ، صفر بيتآكل مع الزمن ، و يحلّ مكان الصفر الأول صفر أكبر / أصغر في نفس الوقت . ليه ؟ عشان ( مُلزمين ) بالكتابة . آه الكتابة إلزام ، إلزام تامّ ، بس قصاد نفسك . إنت مُضطر تمتلك أدوات الكتابة عشان خاطر الكتابة و عشان خاطر ذوقك إنت مش ذوق المُتلقّي أو الناقد ، أو لا مؤاخذة ، الشخص اللي هيعرّصلك ، أو البنت اللي هتُعجب بالقصيدة فهتنام معاها . موقفي من الشعر ناتج عن حُبّي للقُرب للنثر ، بيبقى جميع النثر لما بيبقى فيه مزّيكا ، برّا و جوا ، موسيقى اللفظة الواحدة و المقطوعة كلها . عارف ؟ الفرق مثلاً بالنسبة لي بين الشعر و النثر الشعري زي الفرق بين التخت و بين الأغنية الأحدث نسبيّاً . المُلحّن الحافظ اللي بينقلّ نقلة مقام واضحة ، و بين اللي بيروح يجيب حرف من المقام لمّا روح الأغنية ، روح المُلحن بتبقى محتاجاه . السنباطي بيعمل كدا في " حديث الروح " ، يروح يجيب حرف صبا لما روحه تبقى عايزه الصبا .  اللي بيكتبوا شِعر دلوقتي بَلَح ، " خيش يا صاحبي " على رأي واحد صاحبي . القرآن عامل الحدّوتة دي ببساطة و بتعقيد ماحصلش ولا هيحصل . البُقّين دول هيخلّوا اللي قصادك يقول " شايف ! اهتم مؤمن بالإعجاز في القرآن ، دجّال ، رومانسي و سطحي " ، الكلام دا عموماً أنا مُعتاد عليه أنصاف البني آدمين . ممكن نتكلم عنهم بعد ما أخلّص ، كُنت باقول لك القرآن مزّيكته عاملة زي أم كلثوم لما بتقول " الموجة بتجري ورا الموجة عاوزه تطولها " ، جنزير فضّة مطعّم حجارة كريمة ، سلسلة سَلِسَة دافقة .

أ.ع : جميل ، بس إنت لحد دلوقت ما قلتش موقفك بحسم .

أ.ع : ماهو الموضوع مافهوش حسم ، أنا مع الجميل مادام جميل . الله جميل يُحب الجمال يا أخي !

أ.ع : بس مازلت شايف الشعر مرحلة ؟

أ.ع : آه ، الشِعر كتابة مهمومة تماماً بالوصول ، الشِعر الخالص يعني .

أ.ع : و النثر الشعري ؟

أ.ع : لحد دلوقتي مش عارف هوّ عاوز إيه ، مرحلة علقة ، و الشعر النثري مرحلة عِلقة ، برزخيّة ، و معظمها هنا ؟ في المنطقة العربية دي ؟ تجارة .

أ.ع : تجارة ؟

أ.ع : أيون ، حادّ شوية بس واقعي لحد كبير . حسبة كتابية تخليك توصل لأكبر عدد من المتلقّين . لو اتزنقت تقول شِعر ، لو اتزنقت قول نثر ما يخسّرش .

أ.ع : سطحي جداً الكلام دا .

أ.ع : طيّب . شوف المُنتج اللي حاصل دلوقتي ، و من فترة ، مُضحك ، الناس اللي زي " عماد أبو صالح " ، " أسامة الدناصوري " فاقدين تماماً للشِعر ، هما بيحاولوا يكتبوا روحه ، و زي ما قلتلك مفيش حد يقدر يفهم مكنون اللاوعي إلا لاوعي مكافئ ، فمفيش حدّ يقدر يكتب روح الشعر إلا روح صِرفة . و لا مؤاخذة يعني ؛ مفيش بشري من سلالة الملائكة ، فلا مؤاخذة تاني ؛ إنت متورّط تكتب ( شِعر ) .

أ.ع : و عشان كدا بتحب النثر ؟

أ.ع : مفيش رابط . النثر حُرّ أكتر ، بس واقعي أكتر ، و إنت بتبذل مجهود فيه أكتر بالمناسبة . و الغلطة فيه بجون . هاضرب لك مثال . لو أنا قُلت " أنا متضايق جداً لسبب لا يعلمه إلا الله " ، جُملة عاديّة جداً ، وواقعية و مباشرة و خبرية تماماً ، مفهاش أيّ إبداع ، تقدر تفهم دا بوضوح . إنما هات نفس الفكرة و ركّب لها شويّة زخارف نُص عُمر و حُط شوية نقط و علامات استفهام و أسئلة ، حتّى لو كانت الأسئلة دي نثرية شكلاً و موضوعاً ، بتكتسب بُعد زائف تماماً ، الشِعر لِعبة حواة ، و أنا مش حاوي . الشِعر الركيك لعبة حواة .

أ.ع : و إنت شايف معظم الشِعر ركيك ؟

أ.ع : بالتأكيد . و معظم النثر و معظم الموسيقى .

أ.ع : طب ليه مركّز مع ركاكة الشِعر كدا ؟

أ.ع : عشان شُغل حواة زي ما باقول لك ، الناس بتصدّق اللي بتشوفه بعينيها ، و بعد مرحلة من استمراري في خداعك ، مش مضطّر أورّيك . خلصت ؛ أنا اشتريت عقلك و ووجدانك و اللي كان كان ، إنت بقيت مُستَهلِك ، و مُستهلَك بالطبع . و لما بتييجي لجمهور مخدوع تقول له ؛ يا جماعة .. دا مش حقيقي ، هتنضرب و هتنرجم و هتتنفي مكانياً أو شكليّاً . و هتبقى ( مُجَدّف ) ف نظرهم . دا محلّ مفارقة كمان ! يعني لما المُتمردين و الحالمين ، اللي بيقولوا على نفسهم كدا يعني ، يعتبروك ، خارج عن السرب ( ضحكة و شخرة ) . إنما النثر مفقوس . عارف إنت الفرق بين الإنتاج الألماني و بين الصيني ؟ دول مش هيبيعولك الوهم ، و لو قرروا يبيعولك الوهم مش هيعرفوا لإنهم انطبعوا ع الإخلاص التام و التقنيّة العتيقة ، الصين عاملين زي القُماش ، على كُل لون يا باطسطا !

أ.ع : طب فيه في اللي بيكتبوا دلوقت ( شِعر ) بيكتبوا شِعر ؟

أ.ع : يعني .. فيه ناس قريبة جداً ، فيه إنسان اسمه " وائل فتحي " ، ممتاز . الباقي تقليد . هوّ وائل خارج من تحت جناح شاعرية فؤاد حدّاد . الباقيين خارجين من مرضى و فشلة قصيدة النثر العربية ، و بيقروا الفاشلة زي الجيّدة ، من غير وعي ، موهومين بالأسماء و الترجمات و الكلام العريض . و الفصلات و النقاط و الحِكمة الفارغة ، اللي هيّ بالمناسبة ما هيّاش حكمة و لا فلسفة .

أ.ع : بمعنى ؟

أ.ع : بمعنى إنهم ، زيّ اللي بيقلدوهم بيحاولوا يبقوا فلاسفة ، بس اللي بيقلّدوهم خدمهم حظّهم بقدر معقول من الثقافة و اللغات ، قدر حقيقي _ كمادّة المقروء ووعي القرّاء في جيلهم و صبرهم عليه _ فطلّع إنتاجهم النُص لبّة نُص لبّة بس مش مفضوح قوي . دول بيقروا pdf  ، و قراءة سريعة و مهمومين بالاقتباس ، عشان أنا و إنت فاهمين إن الاقتباس _ حالياً _ شكل إعلاني مُجرّد ، الإعلان عن أي حاجة بقا ، عن العُمق الأهبل ، عن التحرر الأهبل منه ، عن أي " لون يا باطسطا " .

أ.ع : فيه أيّ حاجة عاوز تضيفها ف الموضوع دا ؟

أ.ع : مش جاي ف بالي حاجة ، لكن ممكن يطرأ جديد ، قد يكون مُناقض ، لو فيه مرّات جايّة .

أ.ع : صحيح ، قبل ما اقفل معاك ، واضح إن مُعظم الحاجات بتضايقك ، و ما بتعجبكش ، ليه ؟

أ.ع : لا اختم ، دي مُشكلة معقربة ، و فيها تكرار ، و الواحد مش عايز يبقى دمّه تقيل ، أكتر من كدا على الأقل ، دلوقتي على الأقل .

أ.ع : المرّة الجاية ؟
أ.ع : مفيش مشكلة .