أ.ع : في المرّة
الأولى اتكلمنا عن إنك كُنت بتكتب شِعر ، أو أشياء شبيهة بالشعر زي ما بتحب تقول
إنت ، و بعدين قُلت " ، فكان كل اللي طالع معايا شعر ، رومانسي و حُب و دين ووطن
و الجوّ دا ، كانت كتابات مُضحكة و مخزية جداً ، كان فيه كشكولين مجمّع فيهم الحاجات
دي ، و كان اللي حواليا للأسف معجبين بالسخافات دي . الكشكولين أعتقد لسه محتفظ بيهم
، أول تجربة حُب كنت كاتب عنها فيهم " . طريقة كلامك عن الكتابات دي ، و
الشبيه بالشعر دا تبدو ، مُجملاً ، مش مُريحة !
أ.ع : إزاي ؟
أ.ع : " و
الجو دا " ، تقصد إيه ؟ و كمان ، إيه موقفك من الشعر عموماً ؟
أ.ع : دا سؤال
عويص و إجابته هتبقى مملة جداً .
أ.ع : اتعوّدت
خلاص .
أ.ع : طيب تمام .
بص يا سيدي ، هابدأ معاك بالترتيب ، أعتقد هيكون مفيد في نقطة زي دي . أنا قلت
" الجو دا " عشان فعلاً شايفُه جوّ ، ترويش ، ضحك ع الدقون أغلبه حتى مع
اللي أصحابه مصدقينه ، يمكن عشان مش التصديق هوّ المعيار الوحيد لجودة المُنتج
الفنّي .. تعالى مثلاً ، عاوز تفهمني إن تامر حُسني بيعمل اللي بيعمله عشان هو في
عقله قايل " أنا هادمّر الغناء " ، بتوع المهرجانات شايفين اللي بيعملوه
سبوبة وسخة مثلاً ؟ طبعاً لأ . بتوع المهرجانات دول بيتكلموا عن هموم واقعية جداً
و ( بيئيّة ) كمان .. فاهمني طبعاً ؟ دا يخلّي اللي بيعملوه يندرج تحت أي بند من
بنود الفنّ ؟ ماكنش حدّ غُلُب . لإن كُل الناس عندها تجارب ، و كل الناس عندها
أوطان ، سواء كانت التجارب و الهموم و الأوطان واقعية ولا لأ ، ما بيحددش دا جودة
المُنتج من عدمه إطلاقاً . كان فيه حاجة تانية ليها علاقة بالموضوع دا في دماغي و
نسيتها حالاً ، وقعت في الفخّ اللي إنت وقعت فيه ( يبتسم ) ، مش مهم ، خلينا نكمّل
. لأ افتكرت ، الموسيقيين الكلاسيكيين معظمهم دا إن لم يكُن كلهم بُرجوازيين ولاد
ستين مره .. صح ولا غلط ؟ بس فيه فيهم اللي أنتج موسيقى أسطورية ما حصلتش لحدّ
النهاردا . دا فخّ بيقّع فيه الشيوعيين النظريين بشكل فجّ . الانحياز للفن (
الشعبي ) ، طيب يا سيدي أنا كمان منحاز للفنّ الشعبي ، بس لو إنت شايف المهرجانات
، و الموسيقى البديلة دي فنّ شعبي يبقى إنت وقعت في نفس بالوعة اللي ضدّك ، بقيت (
هيبستر ) و لا ليك علاقة بالشيوعية ، واحد قرا كلمتين ، عارف زي ما بيقولوا حافظ
مش فاهم ، و مُجرد " مُتمرّد " أهبل ولا ليك علاقة بجذرية فكرة التمرّد
اللي هي فكرة بنائية بالأساس ، إعادة صياغة مش هدم و إحلال . معلشّ الفكرة جنّبت
شوية بس أنا ما نسيتش السؤال ، ما تقلقش . واحد زي باخ ، يوهان سباستيان باخ
العظيم .. موسيقي برجوازي متديّن حتّى النخاع . العالم مليان بالمتديّنين و مليان
بالمنحرفين و ما حدّش فيهم أنتج مُنتج موسيقي زي باخ في الكلاسيك ، أو السيد
" ريّاض السنباطي " في التأليف العربي التقليدي .
أ.ع : بس إنت
دلوقت بتتكلم عن المزيكا ، أنا بسألك عن الشعر .
أ.ع : أنا باضرب
مثال بنوع من الفنّ . هاكمّل معاك في الشعر ؛ عندك ، في الشعر المحكي المصر فيه
علامات ، بعضها اكتسب اسمه من قوّة شعره و بعضها اكتسب اسمه من ظروفه . مثلاً فيه
" أحمد فؤاد نجم " ، " فؤاد حدّاد " ، " صلاح جاهين
" ، أنا الأقرب ليّا فيهم ، و اللي معتقد في شعريّته جُملةً و تفصيلاً "
فؤاد حدّاد " . ليه ؟ فؤاد حدّاد ضرب جميع العصافير بطلقة واحدة و هيّ الشعر
. ما اتخلّاش عن شاعريته في سبيل مبادئ ، و ما اتخلّاش عن مبادئ في سبيل شاعرية . أحمد
فؤاد نجم عُمري ما ارتحت لكتاتبه ، و بالمناسبة ، ما حبيتش الشيخ إمام إلا في
مواضع بعينها . أحمد فؤاد نجم _ و بعيداً عن سخافات التعريض بأسباب شخصية _ شعره
يتفهم منه نفس اللي يتفهم من شعر أي حد اتسجن و اتبهدل في عهد عبد الناصر . لكن دا
ما يخلّيهوش يرتقي لمرتبة " شاعر " ، من وجهة نظري يا سيدي على الأقل .
تجربته سطِت عليه و هيّ اللي كتبته ، مش هوّ اللي كتبها . كذلك " صلاح جاهين
" .. المثال الكامل الموديّة و المزاجيّة في الكتابة ، برضو تجربته هيّ اللي
بتحركه ( بسّ ) . أنا مش معترض على إن تجربتك تبان في إبداعك على فكرة . أنا بسّ
باقول ، بابسط شكل لضرب المثل .. إنه إذا كانت الإلكترونيات بتدخلها " إنبوت
_ مُدخلات " و فيه قطعة اسمها " المُعالِج " و يديهالك مُخرجات .
آه اتنين زائد اتنين يساوي أربعة ، و أربعة تساوي اتنين زائد اتنين لكن _ على عكس
كتير من اللغويين _ اتنين زائد اتنين مش معلوم بالضرورة إنها تساوي أربعة ، دا
مثلّ انقله لمجال التجربة البشرية هتلاقيه مُطابق تماماً .. ما ينفعش اتسجن فاكتب
قصيدة عنوانها " انا اتسجنت و اتسحلت في سجن العقرب " . حاجة كوميدية
للغاية يعني . و عشان كدا باقول لك " جوّ " .. مش ( فَصل ) أو ( موسم )
.. لا ، هي أشعار مش أكتر من أول أشكال التجريب اللي فشلت جداً .
أ.ع : تمام ، إيه
موقفك بقا من الشعر بشكل عام ؟
أ.ع : ما
بارتحلوش غالباً ، بس مش كارهه و مش مقاطعه .
أ.ع : يعني إيه
ما بترتاحلوش ؟ و ليه ؟
أ.ع : يعني إيه
ما بارتاحلوش . بص ( مرّت نصف ساعة ) مش عارف أجاوبك فعلاً ، أي إجابة هاقولها مش
هتكون مُريحة ولا وافية ، " فرناندو بيسوا " بيقول في اللاطمأنينة إن
الشعر مرحلة ، أنا معتنق الفكرة دي تماماً من قبل ما أقرا " اللاطمأنينة
" ، ممكن يكون عشان هوّ جوزاء و أنا كذلك ، ممكن .. في الأول و في الآخر
البشر اخترعوا الخرافة عشان يعبّروا عن واقع ، فيه مرحلة من حدوتة ( الأبراج )
باصدقها .. مش لدرجة التنبؤ و الدجل إلخّ ، لأ .. بس إحنا _ مش مُستبعد و مش أكيد
_ إن إحنا نكون بنتكرر . في الأول و في الآخر الأكيد إن فرناندو بيسوا مات ، و
كتابه عايش ، و أنا عايش . و أنا قريته بعد ما كُنت معتنق الفكرة . الشِعر مُعظمه
كتابة مرحلية .. الاضطرار للمزّيكا مرحلي . مش لإن المزيكا أقلّ من الفنون الاخرى
لا سمح الله . لكن لإنها أحسن ( وسيلة ) تحمل شعور . و تكرارها بيخليك مُستمتع
حتّى لو مش فاهم . دي مرحلة دُنيا من الكتابة الشعرية ، الشاعر الفاقد لجميع
الأدوات عدا القافية و العَروض ، آلاتي كتابة مش شاعر إن جيت للحقّ . بس خلينا ما
ننساش إن الموسيقا الشعرية آلة ، أداة مهمّة ، لازم امتلاكها حتّى لو مش هتستخدمها
في كتابتك الشعرية . لإن فيه موضة اتكلمنا عنها المرّة اللي فاتت ، موضة أدباء
الواقع الافتراضي ، اللي معظمهم فاقد الأدوات و بيلفّق كتابته السخيفة في "
قصيدة النثر ، الشعر الحديث ، النصوص " .. و فيه اللي بيمتلكوا الأدوات
لمجرّد سدّ الخانة . مش عارف ، هي الناس دي بتكتب ليه ؟ هيّ وظيفة ؟ هوّ حد اضطر
سيادتك تكتب و تمتلك أدوات ؟ الكتابة عبء بس اختياري تماماً . فيه ناس بيتعلموا
العَروض و القافية علشان لو حد سألهم بسّ يقولوا آع عارفين ، إنما الحِسّ الموسيقي
؟ صِفر ، صفر لا نهائي الصفرية ، صفر بيتآكل مع الزمن ، و يحلّ مكان الصفر الأول
صفر أكبر / أصغر في نفس الوقت . ليه ؟ عشان ( مُلزمين ) بالكتابة . آه الكتابة
إلزام ، إلزام تامّ ، بس قصاد نفسك . إنت مُضطر تمتلك أدوات الكتابة عشان خاطر
الكتابة و عشان خاطر ذوقك إنت مش ذوق المُتلقّي أو الناقد ، أو لا مؤاخذة ، الشخص
اللي هيعرّصلك ، أو البنت اللي هتُعجب بالقصيدة فهتنام معاها . موقفي من الشعر
ناتج عن حُبّي للقُرب للنثر ، بيبقى جميع النثر لما بيبقى فيه مزّيكا ، برّا و جوا
، موسيقى اللفظة الواحدة و المقطوعة كلها . عارف ؟ الفرق مثلاً بالنسبة لي بين
الشعر و النثر الشعري زي الفرق بين التخت و بين الأغنية الأحدث نسبيّاً . المُلحّن
الحافظ اللي بينقلّ نقلة مقام واضحة ، و بين اللي بيروح يجيب حرف من المقام لمّا
روح الأغنية ، روح المُلحن بتبقى محتاجاه . السنباطي بيعمل كدا في " حديث
الروح " ، يروح يجيب حرف صبا لما روحه تبقى عايزه الصبا . اللي بيكتبوا شِعر دلوقتي بَلَح ، " خيش يا
صاحبي " على رأي واحد صاحبي . القرآن عامل الحدّوتة دي ببساطة و بتعقيد
ماحصلش ولا هيحصل . البُقّين دول هيخلّوا اللي قصادك يقول " شايف ! اهتم مؤمن
بالإعجاز في القرآن ، دجّال ، رومانسي و سطحي " ، الكلام دا عموماً أنا مُعتاد
عليه أنصاف البني آدمين . ممكن نتكلم عنهم بعد ما أخلّص ، كُنت باقول لك القرآن
مزّيكته عاملة زي أم كلثوم لما بتقول " الموجة بتجري ورا الموجة عاوزه تطولها
" ، جنزير فضّة مطعّم حجارة كريمة ، سلسلة سَلِسَة دافقة .
أ.ع : جميل ، بس
إنت لحد دلوقت ما قلتش موقفك بحسم .
أ.ع : ماهو
الموضوع مافهوش حسم ، أنا مع الجميل مادام جميل . الله جميل يُحب الجمال يا أخي !
أ.ع : بس مازلت
شايف الشعر مرحلة ؟
أ.ع : آه ،
الشِعر كتابة مهمومة تماماً بالوصول ، الشِعر الخالص يعني .
أ.ع : و النثر
الشعري ؟
أ.ع : لحد دلوقتي
مش عارف هوّ عاوز إيه ، مرحلة علقة ، و الشعر النثري مرحلة عِلقة ، برزخيّة ، و
معظمها هنا ؟ في المنطقة العربية دي ؟ تجارة .
أ.ع : تجارة ؟
أ.ع : أيون ،
حادّ شوية بس واقعي لحد كبير . حسبة كتابية تخليك توصل لأكبر عدد من المتلقّين .
لو اتزنقت تقول شِعر ، لو اتزنقت قول نثر ما يخسّرش .
أ.ع : سطحي جداً
الكلام دا .
أ.ع : طيّب . شوف
المُنتج اللي حاصل دلوقتي ، و من فترة ، مُضحك ، الناس اللي زي " عماد أبو
صالح " ، " أسامة الدناصوري " فاقدين تماماً للشِعر ، هما بيحاولوا
يكتبوا روحه ، و زي ما قلتلك مفيش حد يقدر يفهم مكنون اللاوعي إلا لاوعي مكافئ ،
فمفيش حدّ يقدر يكتب روح الشعر إلا روح صِرفة . و لا مؤاخذة يعني ؛ مفيش بشري من
سلالة الملائكة ، فلا مؤاخذة تاني ؛ إنت متورّط تكتب ( شِعر ) .
أ.ع : و عشان كدا
بتحب النثر ؟
أ.ع : مفيش رابط
. النثر حُرّ أكتر ، بس واقعي أكتر ، و إنت بتبذل مجهود فيه أكتر بالمناسبة . و
الغلطة فيه بجون . هاضرب لك مثال . لو أنا قُلت " أنا متضايق جداً لسبب لا
يعلمه إلا الله " ، جُملة عاديّة جداً ، وواقعية و مباشرة و خبرية تماماً ،
مفهاش أيّ إبداع ، تقدر تفهم دا بوضوح . إنما هات نفس الفكرة و ركّب لها شويّة
زخارف نُص عُمر و حُط شوية نقط و علامات استفهام و أسئلة ، حتّى لو كانت الأسئلة
دي نثرية شكلاً و موضوعاً ، بتكتسب بُعد زائف تماماً ، الشِعر لِعبة حواة ، و أنا
مش حاوي . الشِعر الركيك لعبة حواة .
أ.ع : و إنت شايف
معظم الشِعر ركيك ؟
أ.ع : بالتأكيد .
و معظم النثر و معظم الموسيقى .
أ.ع : طب ليه
مركّز مع ركاكة الشِعر كدا ؟
أ.ع : عشان شُغل
حواة زي ما باقول لك ، الناس بتصدّق اللي بتشوفه بعينيها ، و بعد مرحلة من
استمراري في خداعك ، مش مضطّر أورّيك . خلصت ؛ أنا اشتريت عقلك و ووجدانك و اللي
كان كان ، إنت بقيت مُستَهلِك ، و مُستهلَك بالطبع . و لما بتييجي لجمهور مخدوع
تقول له ؛ يا جماعة .. دا مش حقيقي ، هتنضرب و هتنرجم و هتتنفي مكانياً أو شكليّاً
. و هتبقى ( مُجَدّف ) ف نظرهم . دا محلّ مفارقة كمان ! يعني لما المُتمردين و
الحالمين ، اللي بيقولوا على نفسهم كدا يعني ، يعتبروك ، خارج عن السرب ( ضحكة و
شخرة ) . إنما النثر مفقوس . عارف إنت الفرق بين الإنتاج الألماني و بين الصيني ؟ دول
مش هيبيعولك الوهم ، و لو قرروا يبيعولك الوهم مش هيعرفوا لإنهم انطبعوا ع الإخلاص
التام و التقنيّة العتيقة ، الصين عاملين زي القُماش ، على كُل لون يا باطسطا !
أ.ع : طب فيه في
اللي بيكتبوا دلوقت ( شِعر ) بيكتبوا شِعر ؟
أ.ع : يعني ..
فيه ناس قريبة جداً ، فيه إنسان اسمه " وائل فتحي " ، ممتاز . الباقي
تقليد . هوّ وائل خارج من تحت جناح شاعرية فؤاد حدّاد . الباقيين خارجين من مرضى و
فشلة قصيدة النثر العربية ، و بيقروا الفاشلة زي الجيّدة ، من غير وعي ، موهومين
بالأسماء و الترجمات و الكلام العريض . و الفصلات و النقاط و الحِكمة الفارغة ،
اللي هيّ بالمناسبة ما هيّاش حكمة و لا فلسفة .
أ.ع : بمعنى ؟
أ.ع : بمعنى إنهم
، زيّ اللي بيقلدوهم بيحاولوا يبقوا فلاسفة ، بس اللي بيقلّدوهم خدمهم حظّهم بقدر
معقول من الثقافة و اللغات ، قدر حقيقي _ كمادّة المقروء ووعي القرّاء في جيلهم و
صبرهم عليه _ فطلّع إنتاجهم النُص لبّة نُص لبّة بس مش مفضوح قوي . دول بيقروا pdf ، و قراءة سريعة و مهمومين بالاقتباس ، عشان أنا
و إنت فاهمين إن الاقتباس _ حالياً _ شكل إعلاني مُجرّد ، الإعلان عن أي حاجة بقا
، عن العُمق الأهبل ، عن التحرر الأهبل منه ، عن أي " لون يا باطسطا " .
أ.ع : فيه أيّ
حاجة عاوز تضيفها ف الموضوع دا ؟
أ.ع : مش جاي ف
بالي حاجة ، لكن ممكن يطرأ جديد ، قد يكون مُناقض ، لو فيه مرّات جايّة .
أ.ع : صحيح ، قبل
ما اقفل معاك ، واضح إن مُعظم الحاجات بتضايقك ، و ما بتعجبكش ، ليه ؟
أ.ع : لا اختم ،
دي مُشكلة معقربة ، و فيها تكرار ، و الواحد مش عايز يبقى دمّه تقيل ، أكتر من كدا
على الأقل ، دلوقتي على الأقل .
أ.ع : المرّة
الجاية ؟
أ.ع : مفيش مشكلة
.