الاثنين، 25 نوفمبر 2013

أبو علي يحاورهُ .. أبو علي ! (4)



أ.ع : المرّة اللي فاتت اتكلمنا كتير عن الشعر و الشعرا ، و نسيت اسألك أنا سؤال مهم متعلق بالموضوع بشكل مُباشر . أنا آسف .

أ.ع : إحنا هنلعب لعبة النسيان دي كتير ؟ مفيش أسف خلاص ، دا دَيدَن العيشة ، و عيب الارتجال . اسأل قبل ما تنسى .

أ.ع : طيب ، إنت قعدت تتكلم و تقسّم و تفصص ليه االشِعر مش جايْ من التجربة ، جميل .. تقدر تقول جاي من إيه ، من وجهة نظرك ؟

أ.ع : لأ . أنا ما قلتش كدا بس ، أنا باقول إن الفنّ كله مش مُحرّكه التجربة ، ممكن تكون التجربة رافد بس مش هيّ الغاية من الفنّ . لإن _ تاني _ لو الفنّ تعبير عن التجربة يبقى كإنّك يا بو زيد ما غزيت . شلت التجربة من هنا ، حطّيتها هنا ، لكن دا الفنّ الصادق مش كدا ، الفنّ إعادة إنتاج و خلق شامل للحياة و اللي بيحيياها .

أ.ع : ثمّ ؟

أ.ع : ثمّ الإجابة على السؤال دا بثقة و أريحية انحطاط . أي مجهود بحثي فكري أو نفسي ، إلخ ، من أي نوع يعني بيدّعي لنفسه واحدية الدقّة في مسألة زي دي شديد الهبل ، أو شديد الكذب ، أو شديدهما مع بعض . أصل لمّا تشوف واحد عرف منبع الإبداع و سره الأقدس ، طب ما يبقى الموضوع بسيط يا حبيبي .. روح طبّق اللي إنت اكتشفته بحذافيره و أشرب من نبع الخلود .  يا أخي إن كان الإبداع مصدره نقّص اليقين في أمر الخلود و الإبداع ، هتقول لي إنّك وصلت لمنبع الإبداع بوعي تام ؟ لو فرضنا دا قائم ساعتها هتبقى مكتشف ، مش مُبدع ، مش فنّان على أي صعيد أو دلتا . الوصول في حد ذاته غاية حقيقية تماماً ، و انا ماعنديش أزمة معاها ، بس لو استطعنا كبشريين نوصل لنقطة البداية ، للألِف الحقيقيّة للحروف ، قد ما هيبقى إنجاز ، قدّ ما كُل المعاني و التشكيل و التنويع اللي قايمة عليه الظاهرة اللي اسمها الحياة هينمحي . فاهمني ؟ الصراع و الدراما و الجدل و الحلو و المرّ هيصفّروا .. من الصِفر يعني . قد ما هي الفكرة قديمة و مُستهلكة قد ماهي منطقية تماماً . القُدرة على الإنهاء غير الرضا عن الانتهاء .. إحنا بنطوّع شعورنا بالفقد بعد جفاف التفكير / الوحي الفنّي و نسمّيه إنهاء ، لكن هوّ انتهاء . هو انتهى ف حدّ ذاته ، كمِل لوحده ، و تدخّلك الزايد عن حدّه هنقلب عليك و على المكتوب ، المُنتج الفنّي أي كان نوعه . تقدر تقول إن الحقيقة أهمّ فائدة ليها إنها مجهولة .. الحقيقة هيّ سماد الحياة و من غيرها ولا حاجة . من ناحية تانية ؛ دا مش معناه القبول بكون الحقيقة مقبولة ، و هوّ الفنّ إيه غير عدم قبول بالحقيقة دي ؟ بالعكس .. دا أسوأ شكل من أشكال الفنّ اللي بيكرسلك حِكَم ، حقايق ، الشاعر الفيلسوف أبو وجهة نظر في بدء الأكوان ، و إنت كدا سِبت إيه للعالِم و الباحِث يا متناك ؟ إنت شاعر ! لو إنت شاعر دوّر ع الحقيقة بأساليبك ، ما تنصبش ولاتسرق عمَل الآخرين . تلوّث كامل و مفاهيم مش مترتبّة و ناس / آلات بيتحركوا و همّا فاكرين همّا عاوزين إيه ، بس همّا مش عاوزين حاجة في الواقع ، مش عاوزين حقيقة ..  أي نوع من الحقيقة ، همّا ساعين جادّين للوهم .. فبيلاقوه ، الوهم على قفا مين يشيل .

تلاقي مثلاً قطعة شعرية ، نِتفة نثرية ، نوتة ، مازورة بعينها و تلاقي نفسها بتشهق من الدهشة .. غير انغمارك بالحلاوة ، اندهاشك اللي مش مقصود بإن (ليس في الإمكان أبدع ممّا كان ) . و دا فعلاً ، كل الفنّانين / الحقّ مهمومين بالوصول للحقيقة . الحقيقة واحدة لكن ألوانها كتير . في مرحلة من التجريب و المحاولة بتلمّس . بالمناسبة ، دا مش ترويج لسخافة " إحنا أصوات الحقيقة " ، لأ .. أنا باقول .. إحنا الحقيقة مُغلّفة بالسخافة ، و ما بنحاولش ، أو ما بنحاولش بالقدر الكافي .

أ.ع : مش عارف خدت بالك ولا لأ ، لكن إنت ما اتعرّضتش للكلام عن نوعية كتابة زي " القصة ، الرواية " .. مقصود ؟

أ.ع : لا مش مقصود إطلاقاً . دا طبع فيّا . ما باعرفش أشوف الأمور مُرتّبة . و باحسد اللي عنده القدرة على ترتيب و تدوين و تذكّر أحداث . و باستمتع بقراءة الروايات كُل ما زادت التيمة الأساسية اللي طالعة منها ، الصراع و التشويق ، لحد النهاردا باحب الكتابات البوليسية و الغامضة . بصورة أو بأخرى ، ما اعرفش .. بس أغلفة و طابع الروايات دي بيفكّرني بالتدوين . إيه الرابط ؟ ما اعرفش إطلاقاً . هاقول لك حاجة غريبة ، يمكن اللي شاددني للحوار دا إحساسي بنوع من أنواع التتابع .. واضح إنه مش كامِل و مش مثالي . لكن منجذب لكوني مش عارف هتسألني إيه ، أو ( يبتسم ) اصطناعي للشعور دا باحتراف . و اصطناعي للهفة القارئ لمعرفة المزيد . السؤال أساس التشويق ، السؤال أساس البحث عن أي حاجة ، دا الممتع ف الموضوع دا . سؤالك فكّرني ، لفت نظري لنقطة .. أنا مهتمّ بالسينما ، و نفسي أشتغل بالإخراج .. و نوع الأفلام اللي حاسس إني قادر على إخراجها هي الفيلم نوار .. أجواء الأبيض و الأسود المثالية الحقيقيّة . أو الألوان الطبيعية الستّينية . أنا بافكّر بالصورة . القصص بتحصل في دماغي في شكل صور ، غير متتابعة ، و غير مترابطة ، ( حلميّة ) الطابع . و باعجز تماماً عن خلق ترابط ، تتابع روائي ، إنت عارف .. زي في السيناريو كدا . متهيألي العجز دا جاي من كوني باكره تزوير الأحداث لمجرّد الترابط . باكره الحشو لخلق صورة فنيّة . أنا بافكّر بكادرات مفردة جميلة . و أقصى أملي _ يوم ما اشتغِل بالإخراج _ إنّي أقدّر أكثّف قدر الإمكان و أنقّي إيه اللي يتحط مع إيه . هيبقى أقرب للفيديو آرت أكتر من السينما . أنا مش مهتم يسمّوه إيه وقتها ، لكن لو أنا شوفته فيلم فأكيد هوّ هيبقى فيلم .

أ.ع : دي المرّة الرابعة و لسّه مش قادرين ننتهي من الكلام في الجانب الفنّي ، في قناعاتك اللي معظمها نقدي _ سلبي تجاه كل حاجة ، دي النقطة اللي كنا هنبدأ بيها الحوار المرّة دي ، لو تفتكر ، ليه معظم الحاجات بتضايقك ، ( بتبضنك ) زي ما بيحبّوا يقولوا ، و كذلك معظم الأشخاص بتستسخفهم ، و بتستخِفّ بيهُم ؟

أ.ع : فيه إجابات مختصرة لكل شيء ، زي كُتب تعليم الطبخ و اللغات في ستة أيام ، تحسّ إن العالم صدّق إنه اتخلق في ست أيام فعلاً ، و حرفيّاً ( ضحكة عالية ) . صحيح الاختصار له طعمه ، حلوة الهوامش زي البليلة بس تفهمها زي ما هيّ فاهمة و معرّفة عن نفسها .. " هوامش " ، كنت كتبت تدوينة في مديح الهوامش قبل كدا مرّة مش فاكر عنها حاجة ، ممكن أبصّ عليها بعد ما نخلّص كلام . الهوامش عميقة ، صحيح .. بس عمقها كاذب لسبب بسيط جداً ، لإنها غامضة و مقتضبة و غير شارحة لأشياء تستحقّ الشرح أوقات كتير . أنا باحب هوامش الكتب العلميّة ، بيوضّحوا و ينقّحوا و يزيدوا المعلومة اللي في المتن . بس فيه مرحلة من الهوامش ، حتّى ف الكتب العلميّة بيتضخّم الهامش لدرجة إنه يحتلّ مساحة من الصفحة أكتر من المتن . أنا مُضطّر أصدّق الكاتب في شيء من الاتنين بشكل أساسي ، ابتدائي . أنا هاصدّقه ف الاتنين ، لكن بشكل  أساسي هاتحرّك من المتن ، يعني .. لو هو مش شايف إن النص المكتوب في المتن جدير بالذكر كان رماه في الهامش . فغالباً ، زي ما بيحصل مع ناس كتير ، باقرا الكتاب / المتن مرّة ، و بعدين أراجع الكتاب / المتن / الهامش مرّة أخرى . يعني .. عشان التركيز في النصّين المتوازيين المُكمّلين لبعض صحيح بيشتِّت . حتّى ف الكتاب الجيّد الهامش بيشتّت . الكتابة التدوينية هامشيّة الطابع ، لَغِت المتن و اعتدّت بالهامش كمتن بديل ، دا مناسب تماماً بالنسبة لي ، لكن ما باضطّرش ساعتها للخروج بهوامش جديدة لإنّ كدا الكتابة هتقلب لعبة ماتريوشكا ، و كذلك التاريخ ، حلقات من جوّا حلقات و ظلمات فوقها ظلمات . ربنا يعافينا من الحلقات و الظلمات . المهمّ .. الإجابة السريعة (  العميقة ) و عديمة الجدوى ف نفس الوقت لسؤالك .. تتلخص في " كُل اللي قُلناه قبل كدا يبرّر شعوري دا " ، لكن أنا شخصياً مش فاكر تماماً انا قُلت إ يه قبل كدا ، فهاوجِز لك ليه الشعور دا بيحصل ف كلمتين تانيين . معظم الناس عايشين على هوامش ذواتهم ، و بالتالي عايشين على هوامش الآخرين . أنا معتدّ بمتن ذاتي ، و قرأتها تاني و تالت ، و ذاكرت هامشها كويس ، و اتحرّكت و خلقت منه متن موازي ، في كتاب تاني ، الناس مش مهتمّة تعرف متون ذوات بعض .. و معاهم حقّ ، بس علشان يكونوا  ( ناس ) لازم يهتمّوا تماماً بمتون ذواتهم ، يدروسها و يتخطّوها ، لإنهم لو عاشوا مع المتون _بسّ_ هيتحوّلوا _ زي ما هو حاصل _ لمرضى نفسيين مثاليين للدراسة . و لو عاشوا على الهوامش بسّ هيتحولوا لسخافات متحرّكة ، فقاقيع . في وسَط تاني ممكن ألاقي ناس تانيين مُدركين للبديهيّة دي ، هتقبلهم و هتقبّل  منتجهم حتّى لو مش عاجبني ، و همّا هيتقبلوا عدم إعجابي بمنتجهم . هنا اللي عايش في متنه و اللي عايش ف هامشه يتقبلوا ناحية واحدة بسّ ، زي ما قُلت ، مرضى و بلهاء ، معظم الوقت .

أ.ع : و إنت شايف دا سببه إيه ؟

أ.ع : حاجات كتير واضحة للعيان ، و العيّان ، و الميّت ، لكن بما إن العيّان بينيك ف الميّت و العَيَان منتظرين نتيجة رغم ذلك ، مش مهمومين يعرفوا . الوضع أشبه بنادي تعرّي كبير . إحنا عايشين في صالة تعرّي .. حقيقي .

أ.ع : بس الأكيد إنّ الاستسخاف و الاستخفاف منك له ضريبة ، إيه هيّ ؟

أ.ع : الوحدة .

أ.ع : أكتر ؟

أ.ع : قادر أتخيّل قارئ ، بيقرا الإجابة ، كلمة واحدة .. " الوحدة " . هه . الإيجاز تاني . حيلة فقدان القدرة على الشرح ، الحنين الدائم لسرعة القذف ، شمّاعة العجزة ، سواء كان العجز صادق أو خلافُه .. قلّة مجهود أو قلّة حيلة قصاد جثامة المواجِه . الإيجاز التاني جميل .. الأوّل كُنت أقدر أعمله من فترة ، إيجاز العجزة عن المواجهة ، بس بعد فترة من التكسير في بلاط البحر ، و رغم بداهة الأمر ، بعد فترة اكتشفت إنّ البحر كان متبلّط ، حد قبلي بلّطه ، بالكامل ، أوّل واحد كسر إيهام مضرب المثل . و أنا التاني .. و أنا ما باستهوِنش الإنهاء لإنه خيانة و خسّة . فحَفَرت البحر و كسّرت البلاط و مُتّ بمقاييس النفس البشري . و خصوصاً إنّي مُدخِّن ( يبتسم ) ، لكنّي اعتدت على الأوكسجين الدايب بعد فترة ، و مُتّ تاني لما جرّبت أطلع تاني ع الوشّ ، فضلت أموت فترة لحدّ حدّ الاعتياد على الوَسَطين . و بقيت برّمائي و ما حاولتش ، و ما اعتقدش إنّي هاحاول أكون طائر . أنا مُتّ كتير بسّ عِشت أكتر .

أ.ع : إجابتك ( تدوينيّة ) جداً .. خدت بالك ؟

أ.ع : الطبع يغلِب و العِرق يحنّ . دا النمط اللي حياتي عليه معظم الوقت ، أحياناً فيه ناس ما بتتقبلش دا و بتضحك عليه ، و حقهم و حقّي أضحك على اللي عملوه بحقّهم . إن جيت للحق أنا شايف إن كلامنا دا كُلّه تدوين ، بأسئلتك و إجاباتي الزايغة عن الإجابات . بس في نفس الوقت إنت مش مُلزم بعدد كلمات للمقال ولا موضوع ، و دا مش مخلّيني مُلزم أنا كمان بالطبطبة على مشاعر القرّاء . إنت حبّيت تسأل و أنا حبّيت أجاوب . دا أنا حتّى بافكّر _ بما إننا عملناها أجزاء _ إننا نكمّل ، نمد حبل السخافة لآخره ، و نعملها مواسم ، و نبقى ، أنا و إنت زي كُل شيء ف الحياة حوالينا ، أمريكي .

أ.ع : إنت ممكن تعمل كدا ؟

أ.ع : مش ع الخاطر و لا ف النيّة . بسّ الناس ، معظم الناس ، معظم الوقت ، دلوقتي بتعمل كدا .. بتسلّعك و تحطّك في فاترينة . مش هتاخد من قيلولة أيّ حد أكتر من خمس دقايق ، لإنّك مش مهم ، مش مشهور .. و لذلك محدّش هيقتبس منّك ، ليه ؟ عشان إنت مش مشهور . مالكش كتاب في السوق و لا أيّ نوع من أنواع ال"يحزنون" . الناس بتحترم بعضها دلوقتي على أساس ال CV  ، الناس سيفيهات ، أحّوه و أحّه ، تخيّل لو اللي قبلينا فكّروا بنفس المنطق و اللي قبليهم و اللي قبلهم و اللي قبل التاريخ ، الإجابة واضحة و أحّه كمان . لازم تكون كبريت والع عشان ماحدّش عنده وقت يُشعِلك ، أحّه . لكن أنا مش ناوي أكون كلمتين في ملفّ وورد و حبّة أرقام .

أ.ع : للدرجة دي ؟
أ.ع : و أكتر .. و أكتر ( يضحك بصخب )
أ.ع : فيه حاجة عاوز تقولها ؟
أ.ع : لا خلاص ، المرّة الجاية إن كان فيه .
أ.ع : تمام ، سلام .
أ.ع : سلام دائم .