الجمعة، 8 مارس 2024

بلا خُطّة كتمشية طويلة

 

الشارع الرئيسي 

ما قابلتش إنسان قادر بمنتهى الهدوء و السلام النفسي يترك عُقدة خيط أو كيس غير لما ينتصر عليها بعد حرق دم و شدة أعصاب، يفكّها يعني، بدون أي غرض من فعل التفكيك و التفتيت دا غير غريزة ما و صوت غير مسموع إنه هناك رضًا عميق و (عدالة) تتحقق بفكّ العُقدة و الرُباط الغير مقدّس. إزاي بيقدر الإنسان يبدأ شيء من غير إنهاءه؟ و إزاي إنسان ما بيجد البداية المناسبة الصحيحة لأي شيء؟ و هل فيه أي معايير مُعيّنة نعرف بيها البداية الحقيقيّة الحقّة لأي شيء؟

الواحد لما بيبُصّ لحياة الإنسان باعتبارها هذا الخيط الملعبك و المُستفزّ بيلاقي إنه (الموت) مُرضي تمًامًا كفكّ الرباط و العقدة بدون ما يكون هناك غاية وراء هذا الفعل المُصمّم. الموت، بمعزل عن أسبابه هو الحلّ. و حقيقةً، لما الواحد بيفكّر في الموت بهذه الطريقة بيحسّ بدفا و ارتياح لقفل هذا الكريشندو اللي عند نقطة مُعيّنة بيكون مُزعج.

الخدعة دايمًا في فكّ أي عقدة هو إدراك اتجاه سيرها عشان تقدر تحدد النقطة الأضعف و الأكثر قابلية (للسَلت) و بالتالي تنحية أطراف الصراع. فيه أشخاص قليلو الصبر زي حالاتي بتواجههم عُقد شديدة السايكوباثية كربط الأمهات للأكياس البلاستيك، لا تُحل غير بإنها تُقطع، بمراعاة إنه محتويات أي كيس مهما كانت من الأهمية لا تستحق كل هذا الجهد المجنون للربط و الإغلاق و الاستعصا.

بتتدفق مشاعر و كلمات و أفكار بلا ترتيب و لا إحكام على الإنسان، و في حالة قرر إنه يعبّر، فبيكون دايما مضطر لاختيار بداية ما يتحرك منها لما بعدها. و هي الكتابة بشكل عام صوت فردي متتالي مهما كان تعقيده، يعني  على حد علمي مفيش ما يشبه (الهارموني) في الكتابة بحيث تكون كلمتين و فكرتين و شعورين مصاغين في نفس الوقت بتكوين جديد قادرين يحملوا معنى تالت جديد مستقل لكنه يحتوى على الصوتين الأساسيين. و مهما كان الكاتب (حرّيفًا) فهو بكل موضوعية هيرتّب الكلمات بطريقة أو أخرى. 

نَفس الشارع/نَفَس الشاعِر 

و لا تلاعب مقصود، دي الفكرة التالية اللي جَت مباشرة بلا أي ترابط مَعلوم (موضوعي) في ذهني، بعد الفكرة الأولى. فيه مراكز للغة و الأفكار و الذكريات في الكتلة الغامضة الجميلة اللي اسمها (المُخَ)، و بتنظّم الأمور بناءا على قواعد معينة، و الآن بنستدعي و نتأمل كيفية عمل الحاجات في الذهن بإننا نمارس الحاجات. مستوى واضح و أرضي جدًا هو عدد الحروف و الوزن و الحروف المستخدمة نفسها. و يمكن الفكرة التانية تلاقي لنفسها رُباط ما مع الفكرة الأولى بدون تكلّف، أو ممكن بتكلّف لكن لو أنا حرّيف أمحي هذا الجزء. و أنا مش حرّيف، أنا باتمشّى.

كل فترة أحاول أركز في نوع كتابة مُعيّن، و ألاقي نفسي بأُصيب نفسي بالملل، و أفقد المتعة و الانسجام و التآلف مع واحد من الأفعال القليّلة اللي كانت طريقي و طريقتي للخلاص من اللامعنى.

التعقّد أبدًا مش غاية في حد ذاته،و ميتبدأش بُه، و مش مُغري أبدًا الحقيقة، التعقّد الجميل اللي ناتج من قلب الحدث. خامسة بيتهوفين دايمًا حاضرة كدليل، على البساطة و التجريب و المحاولة و نقد الذات و هدها و بناءها، و في النهاية؛ بساطة متماسكة حتّى التعقّد. عند نقطة معيّنة عشان تقدر تبني شيء واحد محتاج تهد كل شيء و تبدأ تخترع المكعبات اللي هتشكّل بيها المعاني اللي هتفهمها إنت بسّ، و لو فهمها الآخرون، أو بشكل أدق، آخرون، ما يضرّش. المهم إنك تخلق عالم لا يصيبك إنت بالملل.

الشعر هو أكتر محاولة من اللغة إنها تقرب من المزّيكا، و أنا معنديش رؤية الشاعر و لا شعوره، و لا (خُلق) القاصّ للسرد و المدّ و الفرد. أنا تقدر تقول عني من (المعتزلة)، أهل المنزلة بين منزلتين.

باحسّ بالمجموع و الفرد في ضفيرة جدلية ما تنفعش كمان إنها تكون نصوص (نظرية).

من أنا لأقولَ لكم ما أقولُ لكم؟

لا أنا مش باقولُه لَكُم الحقيقة. أنا باكتبه، في عُلبة الماكينتوش المفرَغة من الحلوى و المليانة إبر و خيط، اللي هي هذه المُدوّنة.

الألم على الميزان

من أربع ساعات ما كانش لديّ أي شيء مما لديّ دلوقتي. لا الكلمات، و لا الرغبة.

نزلت أتمشّى لإنه في لحظة مُعيّنة، النور الفلورسنت اُعتيد و ضايقني و بَهَت و زنّت ذبابة الصمت في ودني.

و الأشجار توقفت عن إنتاج الأكسجين داخل البيت،و البيت بطّل يكون بيت، و القُطط بطّلت تكون أحبابي، و بدا إنه ابتلاع الغرفة ليّا هيُسفر عن لا شيء غير مزيد من الغضب الساكت.

أنا مش بانزل أتمشّى عشان أكسر الوحدة، و دا أمر يسترعي بعض التوضيح. ما اعتقدش إنه الناس اللي حبّت الوحدة و حبّتها الوحدة بتكون مشاكلهم مع الوحدة إنهم زهقوا أو ملّوا. الوحدة في الحقيقة وسيلة لإدراك إنه ظواهر (الزهق) و الضجر و الملل و السأم إلى آخر القاموس الوجودي هي ظواهر ليها مصادر مستقلة تمامًا عن الوحدة. في سنّ مبكر نسبيا أدركت، بالملاحظة فقط، إنه كل هؤلاء المشاة وحيدون، بكل الناس اللي معاهم و كل الصداع و الصراخ و الصياح و الرواح و المجئ و الحركة الكدّابة التي لا تسفر عن شيء، هم وحيدون أكتر منّي كمان، لكن محدش عنده أي استعداد و لو ضئيل إنه يبحث عن حلول واقعية لهذه الشتات الجماعي و الدياسبورا الداخلية بدون أي سَفر و لا ترحال و لا (غربة) مكانية. ثم جاءت الماركسية قدّامي لتلقي ظلال على غربة الإنسان ككل لأسباب (واقعية) و بالتالي مشاريع حلول واقعية.

مش بامشي عشان أكسر الوحدة، و إن كنت بانزل في الحقيقة عشان بتواجهني مشاعر مش دايمًا باقدر أتعامل معاها. و مش كل المشاعر يجب إننا نقدر نتعامل معاها بنفس القدر و بنفس الطريقة على كل حال. بانزل و بينزل بيني و بين الشارع عازل زجاجي و كإنه أثير لكنه كثيف جدًا هو قوام للحركة فقط، مادّة للوجود مش الوجود نفسه و لا منشود في ذاته.

أوقات أنزل أصوّر، فأحاول أكسر الحاجز الزجاجي عشان أعرف الناس أكثر لكنه الشارع ما بقاش للناس، بقا للجموع اللي تخلّت عن إنسانيتها بغير وعي. و لا داعي لا لجلدهم و لا الشفقة عليهم. الداعي الوحيد هو لتغييرهم، لتغيير واقعهم، عشان تكون مادّة الوجود ممكنة للاستهلاك الآدمي. 

بغضّ النظر عن ذلك؛ باتمشّى عشان أسمع نفسي أحسن، يمكن باعرف نفسي بالتناقض بيني و بين الناس (أحيانا)، و بالتشابه أحيانًا أخرى. و يمكن الأمر بسيط جدًا لدرجة إني بامشي بس عشان الزحام بيشكّل خلفية لنقاشي الداخلي/الخارجي. 

من مميزات الحُزن إنه شعور قادر على تجديد العالم البارد المقيت حولك. من فترة تعلّمت إن الحزن لا يقتضي الرعب و عمل أي شيء للهرب منه. بقيت أراقصه و التمشية رقصة بتخفف الحركة العشوائية للحزن داخل التجويف اللي اسمه الإنسان و بتخلّي الحزن يكلّم الحزنّ في العالم. بطريقة أو بأخرى؛ فالحزن شعور لا يحبّ الوحدة، لكنه الوحدة بتحتويه و المشي بيصاحبهم على بعض و على باقي مخزون الحزن و الوحدة في العالم. 

(التشبيه) لعبة ليها سحر رغم كونها قديمة و لإنه التشبيه المكرر أو البارد أو المفتعل بيثير السخرية أكثر ما بيثير أي انفعالات حقيقية داخل الإنسان، لذلك، تلاقيني باحاول أتجنّب أي تشبيهات، و أحكي العالم عبر الصور الذهنية اللي بتمر أمامي و كإنها حقائق موضوعية مقتطفة من فيلم وثائقي. و أي تشبيه وارد أو تشابه مع الواقع هو و بكل تأكيد لمن محض واقعي و خيالي الواقعي.

 

قطعت تذاكر لكن ما سافرتش*

أي حاجة حصلت داخل راسك فقط فهي ماحصلتش.

هي حقيقة بديهية لكنها دايمًا صعب تقبلها، تقدّر تبلعها بلعنات و سباب لكل ما أدّى إلى ذلك، يمكنك أن تتحول من الإنكار للغضب للتقبل، و يمكنك أن تتجاهل كل اللي هيتبني على دا من تفكير سواء إيجابًا أو سلبًا، وجودًا و عدمًا.

الصورة الحلوة اللي تصوّرتها تكوينًا فهي لمتعتك إنت ذهنيًا فقط داخل رأسك متوسط الحجم. مفيش مفرّ إطلاقًا من إنك تصورها عشرين أو تلاتين مرّة قبل ما توصل لفتحة العدسة الملائمة و سرعة الغالق و حساسية الضوء و توازن توزيع الضوء. بالخبرة العشرين و التلاتين مرة ممكن يقلوا لتلات مرات. بس حابب ما أطمنكش إطلاقًا و ألفت نظرك إنه مع الخبرة ما يأسر العين يتغير، و يتعقّد، و تفضل العشرين و تلاتين محاولة قابلين للزيادة. التعلّم و الخبرة الزيادة هي عوامل شكّ مش يقين لكنها مشروع طريق سليم دايمًا، و (الجمال) بيتفلّت من علاقة غير قابلة للحسم و راقصة بين العلمي و العملي و الشخصي و الحظ، الصدفة، اللي هي في صفّ من يفهم الإحصا و يزوّد نسبة احتمالات قربه من الجميل و الحقيقي بكل رمية نرد و كل ضربة ريشة و كل (إطلاق) لغالق العدسة..هكذا. 

مع تنامي علاقتي بالكاميرا؛ في مصر بيتعرض حامل الكاميرا لجنون ارتياب من جموع المصريين و السلطة على السواء لإنه فيه إقرار لاواعي إنه هذه البتاعة قادرة على تسجيل حقيقة قبيحة جدًا ( في نظرهم) ، لكنها الحقيقة، جميلة بالضرورة لإنها بتخلق الشك في الإنسان و بتفتح له باب الحرية الغير مريح. محدش أبدًا يحب الحقيقة. دايمًا باجد الصور الكاملة، قبيحة، تافهة و سافلة و سخيفة و تستحق طباعتها فقط من أجل مسح المؤخرات. مع تنامي علاقتي بالكاميرا، اللي هي طريقة أخرى في خلق مشربية أطلّ منها على العالم و تثبيته للحظة في محاولة مني لفهمه بعَبَله، و مع جنون الارتياب، و مع الملل و القبح الحقيقي المنظّم في كل وجه و كل مجموعة، و التكرار و الملل و كل هذه الإكسسوارات و الكهارب و الكباري و الأرصفة و السيارات و الزبالة و الطوب الأحمر و العشوائية في كلمة، فقدت محاولتي للمخاطرة وسط الشارع عشان أصوّر تكوين ما، عشان أنا مش نازل أبرّر وجودي لكل فرد في المشرحة، و بقيت ميّال للشوارع الجانبية و الحيوانات و كل مظاهر الحياة باستثناء الإنسان، و المباني الجديدة.

 

تَسلُّل

العطوف و الحارات و الشوارع الجانبية لعبة تانية. تقدر تسرق غنوة بصوت عالي نسبيًا ليلا. تقدر تسرق مكالمة جميلة مع الحبيب/ة غير مضطر تصرخ فيها من رئتيك عشان الطرف التاني يسمعك. هواء مختلف، كإنه هربان هو الآخر من الرطوبة و الحرارة و التدافع. الشوارع ليها شخصيات و لو حبّتك بتعرفك على شوارعها الجانبية الأصدق و الأجمل و اللي ما تآكلتش تمًامًا بعد. وجوه مسالمة قادرة على التبسم و التنفّس أخيرًا! عند نقطة معيّنة تقدر تسيب نفسك تمامًا لما تثق في حكمة الطرق و هي بتعرفك على بعضها و على ما تبقى من حياة خافتة فيها. حابب أفكّر في المكافأة غير المقصودة دي كإنها الرضا بحلّ الخيط بعد الصراع مع العُقدة.

بانسحب من الشارع الرئيسي للطرق الجانبية، و هي كل مرة النتيجة نفسها للغرض ذاته؛ الرواح للبيت عن طريق تفريعة جديدة في كل مرّة، و بكدا بقا فيه ألف طريق يؤدي لي و ألف طريقة تؤدي للامكان.

باحب أتصوّر إني باكتشف طرق لا يعلم عنها أحد، و بالتأكيد مش هاعرف عنها أحد. في وقت ما بيكون ع

زاءك الوحيد هو المسالك المختلفة الخاصة بيك و حتى إن كانت تقود لألف لا مكان.


--


* من أغنيّة "هزّني"- فرقة المصريين.