الجمعة، 22 نوفمبر 2013

أبو علي .. يحاورهُ أبو علي ! (1)

مقدمة :

لم يكُن حوارهُ سهلاً بحالٍ من الأحوال ، حواره نذل ، كشخصه ، مُرتجلاً كحياته . و الإقدام على تنظيمه أصعب من الحديث نفسه . و بالتالي لم توجد وسيلة _ بعد _ مُناسبة للكلام معه ، سوى تمثّله . أرجو من السادة القرّاء الكرام المعذرة على أي تقصير من جانبي ، و تشميعُه على جانبه ، و دُمتُم .

مُلاحظات :

1 سيتمّ تقسيم الحوار لفصول ، محاولة لتنظيم الحوار الدائم ، و المستمرّ ، و المتكرر أبداً ، لمناطق أساسية في حياة الفرد الحديث .

2 الاختصار الوحيد المطلوب علمه هو ( أ.ع ) و هو ( أبو علي _ أحمد علي ) . و الباقي لن يوضّح ، ليس لمراعاة خصوصيات أو مشاعر الغير _ في نظره _ بل لعدم الجدوى ، و لعدم الاستحقاق .

__

أ.ع : بصراحة ، مش عارف أبدأ الكلام منين .

أ.ع : اللي ييجي على بالك ، أنا المشكلة دي من أكبر مشاكل الكتابة ، و الحياة بالنسبة لي ، كيفَ أبدأ إيه ؟ يعني .. بتبقى الأفكار و الكلمات و الجُمل ، و أحياناً صور بعينها في دماغي ، و تعبيرات و صياغات بعينها داخل راسي ، موجودة بشكل ممكن يوحي لي إنها موجودة سابقاً ، أقصد من عمل تاني ، كتابي أو سماعي أو بصري . أو يمكن يكون وحي _ يبتسم بسخرية _ ماحدش عارف . المهم ؛ بالاقيها في دماغي و ما ببقاش عارف أرتبها إزاي . و دا بيخليك تفكّر في حلّ من اتنين ، يا تبحث عن مصادر الفكرة بشكل مادّي ، على أساس إنها ناضحة من الخارج . يا تبحث عن مصادر الفكرة ، و الجملة ،... إلخ ، إتسترا بيقولوها باللاتيني ، من الداخل ، تشوف إيه اللي ف عيشتك الشخصية الواعية و الأخرى الغير واعية ممكن تنتج عنه الأفكار دي ، أو الهواجس و الانطباعات دي ، فيه حل تالت . آسف إنّي قُلت حلّين بالمناسبة _ دا مثال اللي إحنا بنتكلم فيه آني و حاصل قدام عينيك  _ الحل التالت كُل اعتماده إنك ترتجل ، تزوّر .. مش بالمعنى الدنيء للتزوير ، القصد إنك تتعامل على أساس المُعطيات ، و تبدأ _ تحاول _ تطلع منها بحاجة ، بشيءِ ما . و بالمناسبة .. الحل التالت دا أنا شايف إنه أشمَل ، لإن فيه منطقة في الارتجال / التداعي الحُرّ الواعي جداً على فكرة .. بتوصلك لأصول الأفكار و الهواجس داخلك ، و خارجك .. بس التانية مش دايماً و مش أكيد .

أ.ع : عظيم . سؤالي الأوّلاني اللي نسيت أبدأ بيه .. كان ، أوف ! نسيته تاني .

أ.ع : دي أزمة مرعبة ، النسيان أزمة مُرعبة . و خصوصاً في الأمور اللي عاقد النيّة على فعلها . و كذلك هو مشكلة بالنسبة لي ، مش ليك لوحدك ، و بيواجهني في الأمور اللي بحبّها ، و ناوي أعملها تماماً . أو تقدر تقول ؛ إنه بيبقى مشكلة لما بيحصل مع الأمور اللي باحبها ، و بيبقى عُذر مُريح جداً في الأمور اللي أنا عاوز اتخلّص منها بشكل أو بآخر . بس أكبر مُصيبة في الموضوع دا إنّك مستحيل ترتجل الأسئلة ، الذاتي منها بالذات  . الإجابات سهل ترتجلها و تطورها و تناقضها . الإجابات جدلية و مُريحة أيِ كان شكلها أو جدواها او سطحيتها أو عمقها ، الإجابات حركة و أعذار و مواقف قابلة للتغيّر و للثبات . الأسئلة لأ ، الأسئلة ورطة . الأسئلة أكبر ورطة . ما بتتغيرش ، و مافهاش كدا و مش كدا ، ثابتة و مُلحّة و يمكن بتتنسي من كُتر إلحاحها . الإجابات مجهودك إنت الشخصي / الواعي . الأسئلة برّا نطاق وعيك و تحمّلك الطبيعي . كاملة من كُتر ماهي دايماً و أبدأ ناقصة ، فبتتنسي . الأزمة في الأسئلة مش ف الإجابات . أنا مجهودي في القعدة دي أقل من مجهودك بمراحل ، أنا ما اقدرش احتقرك لنسيانك الأسئلة . مع إني متضايق تماماً إنك مش كاتبهم في ورقة ، أيّ ؛ إنك ما خدتش وقتك في تدوين الأسئلة .

أ.ع : أنا آسف . أنا اللي متأكّد منه إن السؤال كان بخصوص كلامك عن الارتجال . و لكن ممكن نتجاوز عنه لحد ما ييجي لوحده ، و اسألك سؤال تقليدي جداً ، إنت بتكتب ليه ؟

أ.ع : ما اعرفش .

أ.ع : ما تعرفش إزاي ؟

أ.ع : فعلاً ما اعرفش دلوقتي أنا باكتب ليه ، زمان كُنت مُعجب جداً ..

أ.ع : لازم أقاطعك .

أ.ع : ليه ؟ اتفضّل !

أ.ع : افتكرت السؤال .

أ.ع : ( مبتسماً بسخرية و مقهقهاً إلى أخره .. )هللويا ! كفّارة ! اسأل ، استشير .

أ.ع : مش شايف إنها فكرة تستدعي الشفقة ؟

أ.ع : هي مين ؟

أ.ع : الحوار بيني و بينك .

أ.ع : خالص . ليه ؟

أ.ع : يعني ، مالاقتش حدّ مهتم بيك ، مالاقتش حد بيقراك ، أو بيسألك عن حاجة فاضطريت لدا .

أ.ع : أنا و إنت عارفين إنّ علاقتي بالناس مش قايمة على تداول الأفكار ، و كذلك الناس ، علاقاتهم بالناس اللي حواليهم مش قايمة على تداول الأفكار ، إن جيت للحق ، الناس عايشة على استغلال و شفط و مصّ و سحب و استحلاب مشاعر الآخرين . " إدّيني كُل الحلو اللي عندك و خُد كُلْ كُلّ خرايا " . أنا آسف ، بس دا اللي حاصل . معايا أنا على الأقل دا اللي كان بيحصل على الدوام . طيب ؛ أضعف الإيمان إن لو المسألة قايمة على الخرا فأقل مبدأ فيه لازم يبقى التدوال ، كُل حبّة و أنا آكُل حبّة . " أنا أفقعلك عين و إنتِ تفقعيلي عين و نعيش عور إحنا الاتنين  " على رأي شيبوب في الفيلم الساقط اللي عن عنترة العبسي . " يا نعيش عيشة فُل ، يا نموت إحنا الكُل " على رأي بركوتّة / عادل إمام في الفيلم الساقط سلام يا صاحبي . " حبّة فوق و حبة تحت " على رأي عدوية ، كدا يعني . ما تاخدنيش لحم و ترميني عضم ، أو ما ابقاش في همّكم مدعيّة ، و في فرحكم منسيّة .

أ.ع : و إيه علاقة دا بسؤالي ؟

أ.ع : اصبُر . ماحدش بيستطيع معيَ صبراً ليه ؟ أقول لك ليه ؟ لإن في مرحلة من مراحل التعامل البشري القائم على التفريغ أحادي الاتجاه ، اللي بيتمّ معاملتي فيه كراهب اعتراف أو طمُعالج نفسي ، بيفقد الآخر كُل قوّة غضبه ، اللي هوّ قوام قوّته ، بيحسّ _ وهو معذور _ إنّ علاقته بيا اتحولت لعلاقة معبود بإله ، و الإله كُل عمله الاستماع ، مش لرغبة الإله في الاستماع ، بس لإن الآخر / المخلوق المجازي مش مُحتمل المشاركة و التداول . كُل إنسان دخل حظيرة الإله دا حسّ إنه البهيمة الوحيدة الأُم ، لا بل أنكى ( شبه بول إنكا _ يبتسم ) .. إنه ينسى تماماً إنه بهيمة ، ووحيدة ، لا بيصل لمرحلة يتخيل فيها تمام التخيل و التصديق و التمثّل و التصرف على أساس هذا التمثّل إنه الراعي الوحيد ، مش بتاعة زامفير ، لأ .. الراعي الوحيد الصالح ، و ينسى ، مش هاقول لك ينسى فضلي . لأ مش حقيقي عشان الاستماع لآلام الآخرين مش فضل . لكن ينسى إنه اتحوّلت من معزة لديب ، من بهيمة شاردة لقبضاي و فتوّة و بلطجي بيحتلّك غصب عنّك و إنت مش مسموح لك . أعتقد إن دي ضريبة إنك تبقى إله ، أعتقد إن دا أكبر آلام الله . و أعتقد _ رغم إني مش مقتنع بحدوتة الثالوث _ بس شايف المعنى اللي ورا حدوتة الثالوث و كلمة الله مش تخليص الإنسانية . بالعكس .. تخليص الله من آلامه . و إن الحدوتة كلها قايمة على إن " جرا إيه يا ولاد الوسخة ؟ " يعني المسيح ( كلمةُ الله ) .. تنهيدة و آهة و لوعة الله اللي بطيب خاطر حبّ يتداولها و يشرك مخلوقاته في احتمالها . يبقى الردّ _ زي في حالتي المُصغّرة _ الإنكار ، التنفيض بالبلدي ، ثمّ للخيانة و الصلب في آخر المطاف ، دا حصل معايا بشكل مصغّر . و يمكن شعوري بإنّ الهواجس اللي ف راسي دي وحي هو ناتج عن إن المعاناة واحدة ، بس بالنسبة لُه ، من فوق لتحت لفوق . لكن أنا من تحت لتحت لتحت .

أ.ع : برضو ، للمرة التانية ، إيه علاقة دا بسؤالي ، إبه علاقة دا بكونك تحاور شخص مش موجود خارجك .

أ.ع : أقول لك .. زي ما بقاش فيه مسيح خلاص ، و زي ما الله كفّ عن احتمال سخافات البشر و عاش في ملكوته . و ساب البشريين ياكلوا بعض ، أنا تحوّلت لنفس القناعة ، مش تقليداً ، لكن مُعاناة و اختباراً . حتى المدوّنة اسمها " ملكوت " ، و أنا كاتبها بالQ  عشان تنقرا " ما لا قوت " .. زي ما إنت عارف الكاف العربية بتعوّض بK  في الإنجليزية ، و القاف بتعوّض ب Q  . كون إن دا " ملكوت " ، مرتبط تماماً بكونه " ما لا قوت " . ممكن تقول إن كلامي دا مُبرر صريح للبارانويا ، الفصام . لكن لأ .. مثلاً ، انا واعي تماماً إنك مش موجود خارجياً . واعي تماماً لإنّي مش أعظم حد ولا أحطّ حدّ . لكن المُطلق مُتضمن في النسبي و العكس ، و بكدا حتى الأحكام الإنسانية هتبقى علمية جداً  لو حددت دايرة الاختبار . يعني أنا لما هاتكلم عن تجربتي و تجارب آخرين محددين اسماً أقدر أقول لك كس أم تجاربهم . لإن العيّنة محدودة ، إنما أنا مش أعظم وجود بشري ، ولا أنا باقول إنّي إله ، أنا باقول باعاني معاناة إله ، و دا حاصل في الأنبيا و الأوليا و للمجاذيب .

أ.ع : يعني إنت شايف نفسك في التلاتة ؟

أ.ع : ما اعرفش ، كل اللي أعرفه إن أنا موجود و إن أنا مُهم ، لآخرين محدودين .  و آه .. حتى المجاذيب ليهم أصدقاء ، مش مهووسين ، و يمكن دي نوعيّة الصداقة الوحيدة اللي ممكن تقوم .

أ.ع : يعني باختصار إنت مش شايف إن كلامك معايا نوع من أنواع البؤس و الوحدة ؟

أ.ع : وحدة ؟ آه . بؤس ؟ لأ إطلاقاً . ثم بشكل عملي صِرف .. مفيش حد هيفهمني قدّك ، و مفيش حدّ مش هيضطرني أعيد كلامي ، او اتنرفز عليه أو أكون محدود في إجاباتي غيرك .

أ.ع : وصلت . نرجع للسؤال اللي قبله ، إنت بتكتب ليه ؟

أ.ع : ممكن طلب بس ، أنا هاجاوبك على السؤال دا و نقفل المرة دي ، عشان مُنهَك .

أ.ع : تمام .

أ.ع : ممتاز ، أنا في أول الأمر كنت باكتب عشان معجب بالكتابة ، أياميها كُنت لسه باقرا نزار قباني و فاروق جويدة ، فكان كل اللي طالع معايا شعر ، رومانسي و حُب و دين ووطن و الجوّ دا ، كانت كتابات مُضحكة و مخزية جداً ، كان فيه كشكولين مجمّع فيهم الحاجات دي ، و كان اللي حواليا للأسف معجبين بالسخافات دي . الكشكولين أعتقد لسه محتفظ بيهم ، أول تجربة حُب كنت كاتب عنها فيهم ، و ف أول فترة في الوجود الافتراضي على فيس بوك ، كنت باكتب أشياء بيسموها شِعر ، و زي أخواتها ، هي أغاني عاطفية من نوع ركيك نسبيّاً ، و مطلقاً بالنسبة لي حالياً .  بعد كدا بسبب شكل الحياة اللي مافهوش مشاكل شاعرية إطلاقاً ، اتحوّلت كتابتي بشكل تلقائي ، و طَلقاوي ، من الطَلق و الطَلقَة و الطلاق و الطلاقَة . الطَلق لإنها كانت مُلحّة جداً ، و الطلقَة عشان الحدة و العنف و النزيف الدائم في الشكل الأولي من الكتابات دي ، و الطلاق عشان تقريباً كنت طلقت الشعر بالتلاتة ، و الطلاقة عشان الارتجال الدائم لحد الآن . في بداية تحوّلي من الشكل دا للشكل دا كُنت حاسس بالنقص ، كنت حاسس إن الشعر أكمَل الأشكال و أحلاها و إنّي فقدت القُدرة الجسدية وا لجنسية و الحدسية على كتابة الشعر . في كل فترة بتطلع منّي حاجات شبه الشعر ، شبه موزونة و شبه موسيقيّة ، بس مش ع المستوى اللي يريّحني بحال من الأحوال . بتبسطني جداً كتابة الأشياء البارودي ، المحاكاة الساخرة لأشياء أخرى بيكتبها ناس آخرون يا إما باحبهم يا إما ما بطيقش دين أمهم . باعملها كُل فترة ، موضوع " المُحاكاة " دا كان معايا من زمان ، كنت أنا وواحد صاحبي في الفصل في إعدادي بنقلّد المُدرسين ، و أحياناً الممثلين . و كان الموضوع مُضحك جداً . مات تمثيل الأشكال الجسدية / الفيزيئيّة ، و استمرّت التريقة ع الأشكال المكتوبة و المنطوقة . دا شيء هامشي ، بس .. لكن في نطاق الكتابة اللي تقدر تسمّيها نثرية ، منثورة ، هَبو منثور .. فضلت اكتب " مسودّات " لفترة قريبة ، لحد ما لاقيت إن الموضوع ناقص ، الكتابة كلها لازم لها كتابة تانية و تالتة . في ا لأول و في الآخر مفيش موضوعات ولا أفكار جديدة ، هيّ أنساق تعبير . ففي الوقت اللي ممكن تجيلي فيه ( تشكيلة ) ، ( تنويعة ) على فكرة قديمة ، عايشة معايا أو ماتت و طلع مكانها واحدة جديدة ، باعيد كتابة القديمة ، بدأت أعمل دا مؤخراً بشكل واضح وواعي . لكن أرجع أقول لك " ليه باكتب ؟ " ما اعرفش ، في الأول و في الآخر إنت عارف إن حلمي مش الكتابة بشكل أساسي ، بشكل عملي ، الكتابة الشكل المتوفّر مادياً بس .

أ.ع : نكمّل المرّة الجاية .
أ.ع : إن كان فيه مرّة جاية بإذن الله !


__