مقدمة :
لم يكُن حوارهُ
سهلاً بحالٍ من الأحوال ، حواره نذل ، كشخصه ، مُرتجلاً كحياته . و الإقدام على
تنظيمه أصعب من الحديث نفسه . و بالتالي لم توجد وسيلة _ بعد _ مُناسبة للكلام معه
، سوى تمثّله . أرجو من السادة القرّاء الكرام المعذرة على أي تقصير من جانبي ، و
تشميعُه على جانبه ، و دُمتُم .
مُلاحظات :
1 سيتمّ تقسيم
الحوار لفصول ، محاولة لتنظيم الحوار الدائم ، و المستمرّ ، و المتكرر أبداً ،
لمناطق أساسية في حياة الفرد الحديث .
2 الاختصار
الوحيد المطلوب علمه هو ( أ.ع ) و هو ( أبو علي _ أحمد علي ) . و الباقي لن يوضّح
، ليس لمراعاة خصوصيات أو مشاعر الغير _ في نظره _ بل لعدم الجدوى ، و لعدم
الاستحقاق .
__
أ.ع : بصراحة ،
مش عارف أبدأ الكلام منين .
أ.ع : اللي ييجي
على بالك ، أنا المشكلة دي من أكبر مشاكل الكتابة ، و الحياة بالنسبة لي ، كيفَ
أبدأ إيه ؟ يعني .. بتبقى الأفكار و الكلمات و الجُمل ، و أحياناً صور بعينها في
دماغي ، و تعبيرات و صياغات بعينها داخل راسي ، موجودة بشكل ممكن يوحي لي إنها
موجودة سابقاً ، أقصد من عمل تاني ، كتابي أو سماعي أو بصري . أو يمكن يكون وحي _
يبتسم بسخرية _ ماحدش عارف . المهم ؛ بالاقيها في دماغي و ما ببقاش عارف أرتبها
إزاي . و دا بيخليك تفكّر في حلّ من اتنين ، يا تبحث عن مصادر الفكرة بشكل مادّي ،
على أساس إنها ناضحة من الخارج . يا تبحث عن مصادر الفكرة ، و الجملة ،... إلخ ، إتسترا
بيقولوها باللاتيني ، من الداخل ، تشوف إيه اللي ف عيشتك الشخصية الواعية و الأخرى
الغير واعية ممكن تنتج عنه الأفكار دي ، أو الهواجس و الانطباعات دي ، فيه حل تالت
. آسف إنّي قُلت حلّين بالمناسبة _ دا مثال اللي إحنا بنتكلم فيه آني و حاصل قدام
عينيك _ الحل التالت كُل اعتماده إنك
ترتجل ، تزوّر .. مش بالمعنى الدنيء للتزوير ، القصد إنك تتعامل على أساس
المُعطيات ، و تبدأ _ تحاول _ تطلع منها بحاجة ، بشيءِ ما . و بالمناسبة .. الحل
التالت دا أنا شايف إنه أشمَل ، لإن فيه منطقة في الارتجال / التداعي الحُرّ
الواعي جداً على فكرة .. بتوصلك لأصول الأفكار و الهواجس داخلك ، و خارجك .. بس
التانية مش دايماً و مش أكيد .
أ.ع : عظيم .
سؤالي الأوّلاني اللي نسيت أبدأ بيه .. كان ، أوف ! نسيته تاني .
أ.ع : دي أزمة
مرعبة ، النسيان أزمة مُرعبة . و خصوصاً في الأمور اللي عاقد النيّة على فعلها . و
كذلك هو مشكلة بالنسبة لي ، مش ليك لوحدك ، و بيواجهني في الأمور اللي بحبّها ، و
ناوي أعملها تماماً . أو تقدر تقول ؛ إنه بيبقى مشكلة لما بيحصل مع الأمور اللي
باحبها ، و بيبقى عُذر مُريح جداً في الأمور اللي أنا عاوز اتخلّص منها بشكل أو
بآخر . بس أكبر مُصيبة في الموضوع دا إنّك مستحيل ترتجل الأسئلة ، الذاتي منها
بالذات . الإجابات سهل ترتجلها و تطورها و
تناقضها . الإجابات جدلية و مُريحة أيِ كان شكلها أو جدواها او سطحيتها أو عمقها ،
الإجابات حركة و أعذار و مواقف قابلة للتغيّر و للثبات . الأسئلة لأ ، الأسئلة
ورطة . الأسئلة أكبر ورطة . ما بتتغيرش ، و مافهاش كدا و مش كدا ، ثابتة و مُلحّة
و يمكن بتتنسي من كُتر إلحاحها . الإجابات مجهودك إنت الشخصي / الواعي . الأسئلة
برّا نطاق وعيك و تحمّلك الطبيعي . كاملة من كُتر ماهي دايماً و أبدأ ناقصة ،
فبتتنسي . الأزمة في الأسئلة مش ف الإجابات . أنا مجهودي في القعدة دي أقل من
مجهودك بمراحل ، أنا ما اقدرش احتقرك لنسيانك الأسئلة . مع إني متضايق تماماً إنك
مش كاتبهم في ورقة ، أيّ ؛ إنك ما خدتش وقتك في تدوين الأسئلة .
أ.ع : أنا آسف . أنا
اللي متأكّد منه إن السؤال كان بخصوص كلامك عن الارتجال . و لكن ممكن نتجاوز عنه
لحد ما ييجي لوحده ، و اسألك سؤال تقليدي جداً ، إنت بتكتب ليه ؟
أ.ع : ما اعرفش .
أ.ع : ما تعرفش
إزاي ؟
أ.ع : فعلاً ما
اعرفش دلوقتي أنا باكتب ليه ، زمان كُنت مُعجب جداً ..
أ.ع : لازم
أقاطعك .
أ.ع : ليه ؟
اتفضّل !
أ.ع : افتكرت
السؤال .
أ.ع : ( مبتسماً
بسخرية و مقهقهاً إلى أخره .. )هللويا ! كفّارة ! اسأل ، استشير .
أ.ع : مش شايف
إنها فكرة تستدعي الشفقة ؟
أ.ع : هي مين ؟
أ.ع : الحوار
بيني و بينك .
أ.ع : خالص . ليه
؟
أ.ع : يعني ،
مالاقتش حدّ مهتم بيك ، مالاقتش حد بيقراك ، أو بيسألك عن حاجة فاضطريت لدا .
أ.ع : أنا و إنت
عارفين إنّ علاقتي بالناس مش قايمة على تداول الأفكار ، و كذلك الناس ، علاقاتهم
بالناس اللي حواليهم مش قايمة على تداول الأفكار ، إن جيت للحق ، الناس عايشة على
استغلال و شفط و مصّ و سحب و استحلاب مشاعر الآخرين . " إدّيني كُل الحلو
اللي عندك و خُد كُلْ كُلّ خرايا " . أنا آسف ، بس دا اللي حاصل . معايا أنا
على الأقل دا اللي كان بيحصل على الدوام . طيب ؛ أضعف الإيمان إن لو المسألة قايمة
على الخرا فأقل مبدأ فيه لازم يبقى التدوال ، كُل حبّة و أنا آكُل حبّة . " أنا
أفقعلك عين و إنتِ تفقعيلي عين و نعيش عور إحنا الاتنين " على رأي شيبوب في الفيلم الساقط اللي عن
عنترة العبسي . " يا نعيش عيشة فُل ، يا نموت إحنا الكُل " على رأي
بركوتّة / عادل إمام في الفيلم الساقط سلام يا صاحبي . " حبّة فوق و حبة تحت
" على رأي عدوية ، كدا يعني . ما تاخدنيش لحم و ترميني عضم ، أو ما ابقاش في
همّكم مدعيّة ، و في فرحكم منسيّة .
أ.ع : و إيه
علاقة دا بسؤالي ؟
أ.ع : اصبُر .
ماحدش بيستطيع معيَ صبراً ليه ؟ أقول لك ليه ؟ لإن في مرحلة من مراحل التعامل
البشري القائم على التفريغ أحادي الاتجاه ، اللي بيتمّ معاملتي فيه كراهب اعتراف
أو طمُعالج نفسي ، بيفقد الآخر كُل قوّة غضبه ، اللي هوّ قوام قوّته ، بيحسّ _ وهو
معذور _ إنّ علاقته بيا اتحولت لعلاقة معبود بإله ، و الإله كُل عمله الاستماع ،
مش لرغبة الإله في الاستماع ، بس لإن الآخر / المخلوق المجازي مش مُحتمل المشاركة
و التداول . كُل إنسان دخل حظيرة الإله دا حسّ إنه البهيمة الوحيدة الأُم ، لا بل
أنكى ( شبه بول إنكا _ يبتسم ) .. إنه ينسى تماماً إنه بهيمة ، ووحيدة ، لا بيصل
لمرحلة يتخيل فيها تمام التخيل و التصديق و التمثّل و التصرف على أساس هذا التمثّل
إنه الراعي الوحيد ، مش بتاعة زامفير ، لأ .. الراعي الوحيد الصالح ، و ينسى ، مش
هاقول لك ينسى فضلي . لأ مش حقيقي عشان الاستماع لآلام الآخرين مش فضل . لكن ينسى
إنه اتحوّلت من معزة لديب ، من بهيمة شاردة لقبضاي و فتوّة و بلطجي بيحتلّك غصب
عنّك و إنت مش مسموح لك . أعتقد إن دي ضريبة إنك تبقى إله ، أعتقد إن دا أكبر آلام
الله . و أعتقد _ رغم إني مش مقتنع بحدوتة الثالوث _ بس شايف المعنى اللي ورا
حدوتة الثالوث و كلمة الله مش تخليص الإنسانية . بالعكس .. تخليص الله من آلامه . و
إن الحدوتة كلها قايمة على إن " جرا إيه يا ولاد الوسخة ؟ " يعني المسيح
( كلمةُ الله ) .. تنهيدة و آهة و لوعة الله اللي بطيب خاطر حبّ يتداولها و يشرك
مخلوقاته في احتمالها . يبقى الردّ _ زي في حالتي المُصغّرة _ الإنكار ، التنفيض
بالبلدي ، ثمّ للخيانة و الصلب في آخر المطاف ، دا حصل معايا بشكل مصغّر . و يمكن
شعوري بإنّ الهواجس اللي ف راسي دي وحي هو ناتج عن إن المعاناة واحدة ، بس بالنسبة
لُه ، من فوق لتحت لفوق . لكن أنا من تحت لتحت لتحت .
أ.ع : برضو ،
للمرة التانية ، إيه علاقة دا بسؤالي ، إبه علاقة دا بكونك تحاور شخص مش موجود
خارجك .
أ.ع : أقول لك ..
زي ما بقاش فيه مسيح خلاص ، و زي ما الله كفّ عن احتمال سخافات البشر و عاش في
ملكوته . و ساب البشريين ياكلوا بعض ، أنا تحوّلت لنفس القناعة ، مش تقليداً ، لكن
مُعاناة و اختباراً . حتى المدوّنة اسمها " ملكوت " ، و أنا كاتبها بالQ عشان تنقرا " ما لا قوت " .. زي ما
إنت عارف الكاف العربية بتعوّض بK في الإنجليزية ، و القاف بتعوّض ب Q . كون إن دا " ملكوت " ، مرتبط تماماً
بكونه " ما لا قوت " . ممكن تقول إن كلامي دا مُبرر صريح للبارانويا ،
الفصام . لكن لأ .. مثلاً ، انا واعي تماماً إنك مش موجود خارجياً . واعي تماماً
لإنّي مش أعظم حد ولا أحطّ حدّ . لكن المُطلق مُتضمن في النسبي و العكس ، و بكدا
حتى الأحكام الإنسانية هتبقى علمية جداً
لو حددت دايرة الاختبار . يعني أنا لما هاتكلم عن تجربتي و تجارب آخرين
محددين اسماً أقدر أقول لك كس أم تجاربهم . لإن العيّنة محدودة ، إنما أنا مش أعظم
وجود بشري ، ولا أنا باقول إنّي إله ، أنا باقول باعاني معاناة إله ، و دا حاصل في
الأنبيا و الأوليا و للمجاذيب .
أ.ع : يعني إنت
شايف نفسك في التلاتة ؟
أ.ع : ما اعرفش ،
كل اللي أعرفه إن أنا موجود و إن أنا مُهم ، لآخرين محدودين . و آه .. حتى المجاذيب ليهم أصدقاء ، مش مهووسين
، و يمكن دي نوعيّة الصداقة الوحيدة اللي ممكن تقوم .
أ.ع : يعني
باختصار إنت مش شايف إن كلامك معايا نوع من أنواع البؤس و الوحدة ؟
أ.ع : وحدة ؟ آه
. بؤس ؟ لأ إطلاقاً . ثم بشكل عملي صِرف .. مفيش حد هيفهمني قدّك ، و مفيش حدّ مش
هيضطرني أعيد كلامي ، او اتنرفز عليه أو أكون محدود في إجاباتي غيرك .
أ.ع : وصلت .
نرجع للسؤال اللي قبله ، إنت بتكتب ليه ؟
أ.ع : ممكن طلب
بس ، أنا هاجاوبك على السؤال دا و نقفل المرة دي ، عشان مُنهَك .
أ.ع : تمام .
أ.ع : ممتاز ،
أنا في أول الأمر كنت باكتب عشان معجب بالكتابة ، أياميها كُنت لسه باقرا نزار
قباني و فاروق جويدة ، فكان كل اللي طالع معايا شعر ، رومانسي و حُب و دين ووطن و
الجوّ دا ، كانت كتابات مُضحكة و مخزية جداً ، كان فيه كشكولين مجمّع فيهم الحاجات
دي ، و كان اللي حواليا للأسف معجبين بالسخافات دي . الكشكولين أعتقد لسه محتفظ
بيهم ، أول تجربة حُب كنت كاتب عنها فيهم ، و ف أول فترة في الوجود الافتراضي على
فيس بوك ، كنت باكتب أشياء بيسموها شِعر ، و زي أخواتها ، هي أغاني عاطفية من نوع
ركيك نسبيّاً ، و مطلقاً بالنسبة لي حالياً . بعد كدا بسبب شكل الحياة اللي مافهوش مشاكل
شاعرية إطلاقاً ، اتحوّلت كتابتي بشكل تلقائي ، و طَلقاوي ، من الطَلق و الطَلقَة
و الطلاق و الطلاقَة . الطَلق لإنها كانت مُلحّة جداً ، و الطلقَة عشان الحدة و
العنف و النزيف الدائم في الشكل الأولي من الكتابات دي ، و الطلاق عشان تقريباً
كنت طلقت الشعر بالتلاتة ، و الطلاقة عشان الارتجال الدائم لحد الآن . في بداية
تحوّلي من الشكل دا للشكل دا كُنت حاسس بالنقص ، كنت حاسس إن الشعر أكمَل الأشكال
و أحلاها و إنّي فقدت القُدرة الجسدية وا لجنسية و الحدسية على كتابة الشعر . في
كل فترة بتطلع منّي حاجات شبه الشعر ، شبه موزونة و شبه موسيقيّة ، بس مش ع
المستوى اللي يريّحني بحال من الأحوال . بتبسطني جداً كتابة الأشياء البارودي ،
المحاكاة الساخرة لأشياء أخرى بيكتبها ناس آخرون يا إما باحبهم يا إما ما بطيقش دين
أمهم . باعملها كُل فترة ، موضوع " المُحاكاة " دا كان معايا من زمان ،
كنت أنا وواحد صاحبي في الفصل في إعدادي بنقلّد المُدرسين ، و أحياناً الممثلين .
و كان الموضوع مُضحك جداً . مات تمثيل الأشكال الجسدية / الفيزيئيّة ، و استمرّت
التريقة ع الأشكال المكتوبة و المنطوقة . دا شيء هامشي ، بس .. لكن في نطاق
الكتابة اللي تقدر تسمّيها نثرية ، منثورة ، هَبو منثور .. فضلت اكتب "
مسودّات " لفترة قريبة ، لحد ما لاقيت إن الموضوع ناقص ، الكتابة كلها لازم
لها كتابة تانية و تالتة . في ا لأول و في الآخر مفيش موضوعات ولا أفكار جديدة ،
هيّ أنساق تعبير . ففي الوقت اللي ممكن تجيلي فيه ( تشكيلة ) ، ( تنويعة ) على
فكرة قديمة ، عايشة معايا أو ماتت و طلع مكانها واحدة جديدة ، باعيد كتابة القديمة
، بدأت أعمل دا مؤخراً بشكل واضح وواعي . لكن أرجع أقول لك " ليه باكتب ؟
" ما اعرفش ، في الأول و في الآخر إنت عارف إن حلمي مش الكتابة بشكل أساسي ،
بشكل عملي ، الكتابة الشكل المتوفّر مادياً بس .
أ.ع : نكمّل
المرّة الجاية .
أ.ع : إن كان فيه
مرّة جاية بإذن الله !
__
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق