الخميس، 10 أكتوبر 2013

الواقعة .



1
كنت ، و مازلت و اعتدت الكتابة على ورقة ، قلم حبر 7 مل أزرق ناعم على السطور ، قارح في قلبي ، و بعدها ، و أثناء استمرار ممارسة عملية الكتابة على الورق الحيّ ، جربت شكل آخر من التدوين و هو الكتابة على كيبورد الكومبيوتر . المتعة التي تنتابك خلالها متعة تانية غير نشوة الكتابة نفسها ، البوح نفسه ، الحميمية نفسها ، النشوة / حادث النشوة الحاصل وقت كتابتك على كيبورد كومبيوتر عادي نشوة موسيقية ، نشوة تدافع الحروف في راسك زي الحروف الموسيقية 

في النوتة ، و يا حبذا لو كنت بتكتب و إنت بتسمع مزّيكا ، صولو شديد الوطء يا عزيزي . صولو بيانو سريع و متوسط و متدفق و متتالي و متتابع و مستمر . الموجة بتجري ورا الموجة عاوزة تطولها ، الكتابة للاسبب سوى لذة تعويض الحرمان الافتراضية من بيانو كبير ، جراند بيانو بأوكتافات من الأغلظ للأحد . بيانو حقيقي كفتاة أفكاري . انسياب يديك الاتنين و بدون بدالات على الكيبورد له لذة الدق و العفق على البيانو ، روعة ما بعدها روعة ، نشوة تعادل نشوة الخلق ، أول مرة أدرك إن للسرعة نشوة ، نشوة السرعة ، أو سرعة النشوة ، بس التانية عارفينها و عايشينها طول الوقت مع الأسف و الألم الشديدين . أما الأولى جديدة ، عليا أنا ع الأقل لإن أول مرة أجربها ما كانش من زمن طويل . تسقط الهمزات مع سرعة التايبينج ، بس نشوة سرعة التايبينج ما تمنعش من تقليل السرعة أحياناً لضبط النوتة . سرعة النشوة محزنة ، نشوة السرعة زي نشوة الطيران المستحيلة ، النشوة اللي قصفت جدور رقبة عباس بن فرناس رحمة الله عليه و يبشبش الطوبة اللي تحت راسه قُل آمين . تزيد النشوة مع زيادة قدرة الكيبورد على التسارع ، العجلة ، السرعة على الزمن اللعين . العجلة من الشيطان و الشيطان برّا الزمن . كيبورد اللاب توبّات اسرع من كيبورد البي سي هات و خُد و على كُل لون يا باطسطا . ما هي الباطسطا ؟ هل هي بطاطا ؟ هل هي بطاطس ؟ هل هي عجين من الاتنين ؟ أم هو باتيستا المصارع الشهير ؟ من الواضح و الأكيد أن الباطسطا شيء شعبي بدليل ظهور مثل ( شعبي ) عنها ، و يبدو أن الباطسطا لها القدرة على التلوّن . تُرى الباطسطا حرباية ؟ و لكن الحرباية صحراوية و نحن أهل ريف ، لا نرى إلا الحدايات تخطف أرواح الكتاكيت و أهاليها . اللهُ يعلم بخصوص الباطسطا و رسوله و المؤمنون الريفيّون / القرويّون المصريّون . أنا لا أعلم تماماً ، أنا لست حضاريّاً البتّة ، و لا الوزّة حتى ، و لست كذلك ريفياً صرف ، لست شمالياً ولا جنوبيّاً ، أنا زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها ينطفئ بعد كل وَلعة سيجارة و طلعة نهار . الله يعلم متى سأنطفئ و رسوله و العرّافون . أتمنى الآن ولا أتمنى غير الآن . غير أن أمنيتي يعوقها انكسار الميم و الخاء في الكيبورد ، على كُلٍّ .. أتمنى و بشدة و من كل قلبي أن أطلق ليديّ العنان و أترك السيجارة في فمي تشتعل حتى آخري و حتى آخرها  ، و حتى لا يتبين الخيط الأبيض من الإسود من الحقّ ، لا أرمي الطفية في الطفاية ، و أتركها تسقط في عيني أو على رجلي و تحرقني بنار الغيرة ، أتمنى ألّا أنظر للكيبورد أثناء الكتابة و بعده إلا بعد النهاية للتصحيح السريع و الغير أكيد أيضاً  و غيضاً دون فَيضْ، أتمنى الكتابة على رتمٍ سريع و راقص كما يحدث الآن مع باخ ، كيف يحدث الآن مع باخ و هو قد مات أو توفى لأجل غير معلوم ؟ الله يعلم و رسوله و الموسيقيون الكلاسيكييون و قسس الكنائس ، و محبو الجاز الإسود و خلافه . أتمنى ألا أخطئ و لكنه هيهات ، بُعد ما يتمنى أبو علي و غير أبو علي ! توقفت أطفي السيجارة مخالفاً أمنيتي العزيزة و تابعاً مخلصاً لغريزتي في البقاء على قيد اللائحة اللاقحة . تمنيت تمديد المُتعة و لكني محاصر بتقليص الضرر الناجم عن فعل الحياة و ظاهرة الحركة . أتابع باخ بسمعي و يداي مخلصتان للرتم قدر إماكنها . تقاسيم جولدبرج . في أوروبا لهم أسماء عجيبة  ، فيتش و إسكي و برج و ووف . لماذا يُطلق الناس الأسماء العجيبة ؟ الله يعلم و رسوله و آدم و علماء اللسان و المُخ . لم أركب حصاناً ولا بغلة ، و لا عجلة و لا عربية ، و لا بُراقاً و لا بُساط ريح و لا بساط أحمدي أو علويّ . عندما كنت طفلاً سألت لماذا لستُ نبياً ؟ و لا رسولاً و لا وليّاً ؟ و لا وليّة ؟ قالوا الله يعلم و رسوله و المؤمنون . لماذا لستُ الله و لا رسوله ولا المؤمنين ؟ هذا سؤالي يا باشوات ! و لم أعرف ، و عادي لإن الله بعدها بسنين عددا لم يٌكلمني في المهد صبيَاً ولا كهلا ، و لم يعزّيني بالبيانو الكبير ، اشتريت ناياً و لمم أجد من يعلمني إياه . توقفت عن السؤال لإني بالفعل أعلم أن الله يعلم و لكنه لن يعلمني . لماذا لا تخلص الصفحة التانية ؟ زهقت من الرطّ و اللت و العجن و الخبز و البحث عن إجابة ، و زهقت من تكرار اللازمة . إسرح يا عزيزي و انس الفكرة ، إسرح و اترك اليدين على الغارب و لنر من أسرع ، أنا أم باخ ، باخ اللعين بن اللعينة ، ابن اللعيبة ، لقد تركت يديّ بالفعل ، يداي صارت أسرع من أفكاري لوهلة صغيرة ، و لكن لحسن أو حزن حظ القدر أن الكيبورد ليس سليماً معافى بنسبة تقارب المائة في المائة حتى ، قلت إن الميم و الخاء مخلوعتان ، أي كلام و أي هري لكي لا أقف ، لا ألاحق ولا أجد ما يدور في عقل بالي ، تُرى ما هو عقل بالي ؟ هل هو عقلي الباطن أم هو لا شعوري بالحياة ؟ لا أعرف ، و لا أ عرف من يعرف هذه المرة ، و لكني متابع مخلص للرتم ، أتابع و أحاول الكيب جووينج / الاستممرار ، في مجاراة ما  يكتبه الرجل ، هذا الرجل باخ في نوتته الموسيقيية بيدي العاريتين . ، يدي العاريتين لا تغريان أي أنثى ، أفكر في تقليد مايكل جاكسون ، بعدها صار مجرماً ناعماً و أتقن المون ووكر . كنت أعتقد أنه كلما كتبت كلما تخلصت من عبء اللغة ، و لكن الأمر كوميدي كالكاميرا الخفية ، و هو إنه كلما كتبت كلما مارست اللغة أكتر كلما تشبثت بك أكتر ، اللغة ليست حملاً في حد ذاتها ، لكن لا تحشرها في رأسك الضيق كي لا تموتا سوية . اللغة كأي نشاط يموت مع الإهمال و البُعد تدريجياً ، البعيد عن العين بعيد عن القلب ، و البعيد عن العين و البعيد عن القلب بعيد عن العقل ، و البعيد عن التلاتة هو في الجنة لإنه بها ملا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . فيروز قالت إن الوقت بيقتل الحُب و الحشرات المنزلية ، و إن الحُب بيقتل الوقت و السُرعة و العجلة و المُتّجه . غرفتي في الدور الرابع و البلكونة صغيرة و السور قصير و أنا لديّ رهاب الارتفاع ، و رغم كدا مازال الطيران نشوة ، أعوضها بالكيبورد و الأوتوكوريكت . مثانتي فارغة كعقلي الآن . و قلبي يشاور عقله الفارغ ، عقلي ..الفارغ منه بجنيه رهن الرجوع . أيظنُّ أني لعبةٌ في يديه ؟ أنّى له هذا ! مشاعر الناس مشاع . مشاعر الناس شبه بعضها طالت أو قصرت رفعت أو تخنت أو أبيضت او اسمرًت . مش معنى إنن اللغة ممستويات تبقى طبقية . اللغة مزيكا و مستوياتها زي مستويات المزيكا ، فيه مزيكا جميلة أياً كان نوعها ، و فيه مزيكا رديئة أياً كان نوعها ، و اللغة شرحه ، و العقل أسمى من محتوياته كما الأخلاق أسمى من ممارساتها . فمفيش مبرر او دليل على إن اللغة رقيها من رقي العقل ، و غن رقي اللغة دليل على رقيّ الفكرة ، الفكرة كُل و اللغة شفرة ، و الشفرة مالهاش لزوم إلا التعبير ، و تغيُّر شكل التعبير مش معناه رقيه عن شكل تاني أكتر شيوعاً ؟ بلا كلام فارغ . و الكلام الفارغ أكبر دليل على إن اللغة مش عُليا ، الكلام الفارغ مًفيد في لإثبات حاجات كتير لمُحتاجات أكتر .  هذا الحديث قابل للزوادة مش للنقصان ، و إن قُفِل فدا لدواعي الزهق الموضحة أعلاه على ما أذكُر ، و إن قعدت تاني مع ناس و مفيش شيء ممكن يُقال أو في راسي مش هاتكلم ، الكُل بيعمل كدا و انا هاعمّمه على نفسي .

2

كان من الممكن  و المرشح بشدة أيضاً للحدوث أن يسوء اليوم أكتر ، و معنى هذا السوء و هذه السوأة إنه لن تنجز أي مهام حيوية إطلاقاً ، و لكن الله كريم ، حقيقي و حقيقة لا شك فيها ، السكوت علامة الرضا معظم الوقت .  تمشية طويلة في وسط البلد الفارغ إلا من الأسفلت و عساكر المرور . السما عالية و النور لما بيقطع السما بتضيق . ملحوظة قديمة للغاية و لكنها مازالت قائمة بدوام انقطاع الكهربا المتناوب . سُبحان الله ! أكلنا و دخنّنا و شيّشنا و قرقرنا و الحمد لصاحب الحمد . اكتشفت بعض فرق الديسكو في الطريق إلى البيت ، و موسيقى السبعينات جميلة للغاية ، أين إنتِ يا بيونسيه ؟ الانشغال بعد تلبية الحاجات الطبيعية مُربك ، بعد تلبية الأساسيات تنشغل بها دوماً ، قبلها تصبح فيلسوفاً راضي عن الحياة قسراً . هذا ليس وقت تسريع الرتم ، هذا وقت مقسوم و هادئ . أترى إني لا أعرف ان الكلام ردئ و عادي ؟ عادي يا أخي . عادي جداً . الشغف عاد من جديد ، الارتباط بالكيبورد ، ولا بالكتابة ، نشوة التكنيك ، نشوة الآلة مرة تانية . أقرب إلى حُب النوم الآن ، و لكنها لذة الاستمتاع بالسعادة . إنت عارف إنه من الهبل بمكان ترك السعادة إلى النوم ، صحيح النوم نهاية سعيدة للغاية ، بس نهاية ، و النهاية في حد ذاتها أمر حزين . النهاية السعيدة الوحيدة لازم تكون استمرارية و مُطلقة و خالدة و إلا العدل اشتغالة . الناس و الملح كلوا وشّي ، و عوامل التعرية و عوامل الاشتراك مع الأرقام الفرديّة . فكرت في أول الأمر أكتب قصّة ، و لكني افتكرت إني حاولت و فشلت و قلبت مقلب كوميدي في نفسي في آخر الملفّ و زهدت في الموضوع . إنت تعرف ؛ طبعاً الإنسان ممكن يكتب أي حاجة و يقول دي قصة ، ممكن يقعد الكاتب يوصف تلات ساعات بما يعادل 200 صفحة بمعدل قرائتي في عقارب الساعة الحزينة و كيف إن نحتتها موحية بأحداث الرواية ، و كيف إن دا أسلوب و طفرة في السرد ، و لكنه طفرة في السرتنة ، و هلم جرّا بقا ؛ وصف ساعتين كمان في ميدالية المفاتيح و صوت هزهزتها في الفراغ الفسيح . لقيت إن في نفس الوقت القدرة على صياغة أحداث محبوكة أصلح لفيلم منه لرواية . في الأول و في الآخر الرواية لغة ، و اللغة لازم تبقى جميلة على أي صعيد أدبي و إلا بالسلامة . و لقيت إن الشعر قيد ، و لكن يظل قيد له احترامه اللي أنا عارف إني لو دخلته هابقى مجبر على احترامه على صعيد الشكل بس ، لكن هيكون المضمون مش مضمون إطلاقاً ، تقليد ، صيني فرز تاسع و تسعين . لذلك ما زال الشكل دا أقرب أشكال اللغة أقرب لقلبي و لدماغي الثرثارة .
حالياً ما عنديش أي مانع فكري أو نفسي من تكرار الحديث عن نفس تجربة كتابة الكيبورد و القلم و الورقة إياهم او إياهن . تجربة جديدة أنا شخصياً لسه واصل للصورة المثالية لتنفيذها حالاً ، رايت ناو و رايت هير . عيد كتابة نفس الفكرة و المشاعر بعد مرور كام ساعة ، في نفس النطاق الزمني المحصور بين قوسين هما صحيانك من النوم و مرواحك للنوم . جرّب الفكرة و لغتها و كل ما يمكن يتبني عليها حتى لو كان تافها و ساذج و عديم القيمة . بعدين نبقى نشوفه ، المانع الوحيد اللي ممكن يعطلني هو تُقل جسدي و قلة نومي . المانع الوحيد جسدي . حجر الزهر ، شايل زهرتين صغيرتين في جيبي الورّاني ، غالباً لغن الحظ برّاني . رخيصة الفكرة ؟ و رخيص مطلع الأغنية . بس معلش ما جاتش عليا . لأ ، جت عليا بزيادة عن اللزوم و لذلك رخصت الفكرة .

.....

خاتمة :


راحوا الحبايب ، جدتي و أول بنت . راحوا . مش سامع غنيّة راحوا ؟ أنا وحيد و الكلاب مجاميع . ليه يا إلهي ما باقعش زي أي كلب فوق كبّود ؟ قريت فوق باب محل " المجد للمجهولين " ، انبسطت و حزنت لإن المجد مستحيل ينال مجهول . المجد كدبة زي عودة الأموات . راحوا الحبايب ؛ و سابوني في الأسفلت وحيد في نص الليل . بطلت أحرك وشي تجاه البشر . كل كلاب الشوارع بتبتسم لي . بصيت في عين حصان كارّو و انكسف منّي . أنا شايف نفسي من فتحة الكاميرا ، كان نفسي تبقى بنت بدالي في البلاتوه . لكن الجميع نايم ، و بيشخّر . أنا فرصتي أحسن في الخلا في الشخر .  فتحة الكاميرا زي شُرّاعة بيت جدتي . الكاميرا مش ملكي و الخام مش كتير .
 

ليست هناك تعليقات: